شخ الخبز في المدن الایرانیة-
صوت العراق – محمد حسين المياحي:
عند التأمل في الوضع السائد في إيران، فإننا نجد أنفسنا أمام موقفين متناقضين تماما، إذ وفي الوقت الذي يعلن فيه عباس عراقجي، وزير الخارجية وهو يخاطب البلدان الغربية عموما والولايات المتحدة خصوصا، عن الاستعداد للتفاوض وبناء الثقة لإزالة المخاوف، فإنه وبالتزامن مع ذلك، يٶکد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، ونائب رئيس شؤون التنسيق في الجيش، حبيب الله سياري، أن”القوات المسلحة مستعدة لمواجهة أي تهديد في البر والجو والبحر”.
ولا يمکن فهم هذا التناقض الواضح بين الموقفين الآنفين، إلا بعد أن نتمعن مليا في الوضع السائد في داخل إيران، ولاسيما وإن وسائل الاعلام الايرانية الصادرة يوم الاحد الماضي 26 أکتوبر2025، قد رسمت صورة قاتمة لنظام يتآكل من الداخل على ثلاث جبهات متزامنة: صراع وحشي ومفتوح في قمة هرم السلطة، انهيار اقتصادي كارثي يحول رغيف الخبز إلى حجر في موائد الناس، ومنظومة صحية تنهار وتترك المواطنين يموتون بسبب الإهمال والفساد. لم تعد هذه مجرد تحليلات للمعارضة، بل هي اعترافات صريحة من داخل أروقة النظام بأن سفينة الحكم تغرق ببطء تحت وطأة تناقضاتها الداخلية، غضب الشارع، والانهيار الشامل للخدمات الأساسية.
ولعل ما يجري حاليا من صراع غير مسبوق في قمة هرم السلطة وترتفع فيه أصوات تارة بمحاکمة الرئيس الحالي بزشکيان وأخرى بمحاکمة وسجن الرئيس السابق روحاني، خصوصا وإن الاخير وجه إنتقادات حادة جدا لبرلمان النظام تسائل فيه عن مدى تمثيله الحقيقي للشعب ونسبة الأصوات التي يحظى بها. لكن الطعنة الأعمق كانت حينما أكد أنه يمكن قبول الخلافات إذا كانت بنسبة 50-50 أو حتى 40-60، “ولكن عندما يكون 90% من الناس في جانب، لا يمكن اعتبار ذلك قانونا”، ووصف القوانين التي يعارضها غالبية الشعب بأن “روحها فاسدة”. هذا التصريح لم يكن مجرد نقد فني، بل كان تشكيكا مباشرا في أساس شرعية الحكم الذي يسيطر عليه الجناح المهيمن حاليا.
غير إن رد فعل البرلمان کان قاسيا ولاسيما عندما إنتقل من النقد السياسي الى التهديد القضائي والهجمات الشخصية بدفع وتحريض من رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، الذي اتهم روحاني ووزير خارجيته ظريف بإلحاق الضرر بـ”مسار التعاون الاستراتيجي مع روسيا”، مما يظهر أن الصراع يمتد إلى خلافات جوهرية حول السياسة الخارجية. وهذا ما يجسد الوضع المتفاقم في النظام الايراني ويشير الى خطورة واضحة لا يمکن تجاهلها.
لکن، وبينما تتقاتل الذئاب في القمة، يعاني الشعب في الأسفل من انهيار اقتصادي شامل. لم يعد الأمر يقتصر على التضخم، بل وصل إلى أساسيات الحياة. صحيفة “سیاست روز” تصف الوضع بعبارة موجعة: “رغيف خبز حجري على موائد الإيرانيين”، في إشارة إلى الجودة المتدهورة لأهم سلعة غذائية. هذه ليست مجرد شكوى عابرة، بل هي رمز لأزمة معيشية خانقة.
وفي کل الاحوال، يبدو النظام في وضع ليس يبدو کإستراحة محارب مثلما يسعى بعض من مٶيدي النظام إظهاره بل إنه حاليا يعاني من جراح لا يمکن إلتئامها وتکاد أن تشبه الغانغرينا المنتشرة في معظم مفاصله!








