استباکات بالایدي في البرلمان الایراني- آرشیف–
موقع المجلس:
مع تراجع قبضة المرشد علي خامنئي، الذي بات غيابه العلني مؤشراً على ضعف قدرته في ضبط أجنحة نظامه المتناحرة، انزلقت بنية الحكم في إيران نحو ما يشبه حرباً أهلية غير معلنة. فالصراع الذي كان يُدار لسنوات طويلة خلف الكواليس، وفق قواعد غير مكتوبة، خرج اليوم إلى العلن وتحول إلى معركة مفتوحة تُستخدم فيها كل الوسائل.
الفراغ المتنامي في قمة هرم السلطة أطلق العنان لذئاب النظام المتربصة، التي تدرك أن معركة البقاء قد بدأت فعلاً، وأن الخيار الوحيد هو القضاء على الخصوم أو السقوط أمامهم.
تصعيد داخل البرلمان: هجوم عنيف على روحاني وبزشكيان
تتجلى مظاهر الانقسام بوضوح في أروقة البرلمان الإيراني، حيث تفجرت حرب الذئاب علنًا بين الأجنحة المتنازعة، في سابقة تعكس هشاشة القبضة التي كان يمسك بها خامنئي.
لم يعد الأمر مجرد خلاف سياسي؛ بل تحول إلى مواجهة مدمّرة يستخدم فيها كل طرف المنابر الرسمية ووسائل الإعلام لتصفية الحسابات. الأخطر أن هذه المواجهات باتت تتضمن فضح ملفات فساد وخيانة بين القيادات، ما يؤدي إلى تقويض شرعية النظام بأكمله.
كل اتهام يُطلق، وكل فضيحة تُكشف، لا تصيب خصومًا بعينهم فحسب، بل تزعزع صورة النظام من أساسها، وتدفعه نحو حالة من الشلل السياسي والارتباك الاستراتيجي الذي يهدد بإنهاك مؤسسات الدولة.
في هذا السياق، شنّ سعيد جليلي، ممثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي، هجومًا حادًا على مسار التفاوض مع الغرب، معتبرًا أنه طريق للفشل والخيانة. وفي خطاب ألقاه بتاريخ 26 أكتوبر، تساءل جليلي: «لماذا قال قائد الثورة إن هذه السنوات العشر يجب ألا تُنسى؟»، مجيبًا بأن تجربة الاتفاق النووي أثبتت فشلها بعد أن قدمت طهران تنازلات كبرى دون أي مكاسب، بينما نكثت واشنطن وأوروبا بوعودهما.
كما انتقد جليلي بشدة اتفاق شرم الشيخ الأخير، واصفًا مؤيديه بأنهم أشبه بمن يسعى لأن يصبح “عميلًا للسافاك ليلة انتصار الثورة”، معتبراً الاتفاق “عرضًا مهينًا” لا يليق بدولة ترى نفسها فاعلاً في مواجهة الهيمنة الأمريكية.
انقسامات حادة وتلويح بالملاحقات القضائية
في ظل تصاعد الخلافات، دعا التيار الإصلاحي المعروف بـ«جبهة الإصلاحات» إلى مفاوضات مباشرة مع واشنطن ووقف تخصيب اليورانيوم، ما أشعل مواجهة جديدة بين أجنحة الحكم.
وردّ رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف بلهجة تهديدية، مؤكداً عبر تغريدة: «لن نسمح لمن يسعون وراء مصالحهم الفئوية بتهديد وحدة البلاد وأمنها، وسنواجههم بحزم».
هذا التصريح فُسّر على أنه رسالة تحذير مباشرة للجناح الإصلاحي، مفادها أن أي محاولة لعرقلة مسار السلطة ستُقابل بإجراءات صارمة.
لكن الرد لم يتأخر، إذ نشر منصوري، رئيس جبهة الإصلاحيين، تغريدة رمزية قال فيها: «لياخوف ليس مجرد اسم في تاريخ إيران»، في إشارة إلى الكولونيل الروسي الذي قصف البرلمان بأمر من الشاه مطلع القرن العشرين لقمع الثورة الدستورية. أراد الإصلاحيون بذلك القول إن خصومهم المحافظين يسيرون على خطى لياخوف في تدمير ما تبقى من مؤسسات الدولة.
وجاء الرد المعاكس من نائب متشدد يُدعى موسوي، الذي قال ساخرًا: «لياخوف هو من قصف البرلمان، وهذا بالضبط ما تفعلونه أنتم اليوم». كما سخرت وكالة أنباء فيلق القدس من تغريدة منصوري ووصفتها بأنها “دراما سياسية بعيدة عن الواقع”.
نظام مأزوم يواجه خطر الانهيار
إن هذا التراشق العلني بين أبرز رموز النظام، من ممثل خامنئي إلى رئيس البرلمان، يكشف بوضوح أن الصراع تجاوز حدود المناورة السياسية ليصبح معركة وجودية على هوية النظام ومستقبله.
غياب القيادة المركزية القادرة على ضبط الصراع يفاقم الانقسام، ويدفع إيران نحو مرحلة أكثر اضطرابًا، حيث قد تؤدي التصدعات المتعمقة إلى انهيار البنية السياسية من الداخل.








