موقع المجلس:
في 29 مارس 2025، أقدم حميد نوري، أحد الجزارين الناشطين في مجازر السجناء السياسيين منها مجزرة صيف عام 1988، على تصرّف استفزازي جديد، حيث زار مقبرة بهشت زهراء في طهران، وتحديدًا القطعة رقم 92، ليُطلق العنان لصراخه وتبجّحه أمام قبور ضحاياه.
القطعة 92 التي اختارها نوري لعرضه المسموم ليست مكانًا عاديًا، بل تضم رفات عدد من الشهداء المجهولين من مجاهدي خلق ومناضلي الحرية، ومن بينهم مجموعة “سربداران” الذين أُعدموا خلال مجزرة صیف عام 1988. ولم يكن هذا الاختيار عشوائيًا، بل رسالة وقحة من الجزار إلى من قضوا تحت يده، ممن أُرسلوا على عجل إلى أعواد المشانق بفتوى من خميني وتنفيذ ما يُعرف بـ”لجنة الموت”. هذا الحضور الوقح ما كان ليحدث لولا سياسة المسايرة الغربية التي تُكافئ المجرمين بدلًا من معاقبتهم.
لم يتردد نوري في وصف أولئك الأبطال الخالدين في تاريخ إيران المعاصر بأنهم «إرهابيون» و«مجرمون»، وتوعّد مجاهدي خلق بعبارات تهديدية قال فيها: «مكانكم كان يجب أن يكون هنا، لكنكم هربتم إلى الخارج».
هذا الجزار، الذي أدين في محكمة سويدية بجريمة “القتل العمد والجرائم ضد الإنسانية” وحُكم عليه بالسجن المؤبد، أُطلق سراحه في صفقة مخزية وأُعيد إلى إيران، ليُكمل تهديداته من فوق قبور الشهداء.
نوري، الذي بدأ مسيرته في تعذيب السجناء بصفته عنصرًا في حرس السجون، ترقّى إلى مساعد مدعٍ عام في سجنَي إيفين وغوهردشت، وعمل تحت إمرة محمد مقيسه المعروف بـ«ناصريان». وكان من عناصر لجنة الموت عام 1988، حيث شارك في نقل السجناء إلى “ممر الموت” ومنه إلى قاعة الإعدام في حسينية السجن. في شهادات متعددة، أشار السجناء إلى أنه كان يُحرّض على الإعدامات مردّدًا عبارة: «هذه عاشوراء المتكررة للمجاهدين، أسرعوا!».
وقد أُدين حميد نوري في يوليو 2022 بالسجن المؤبد من قبل محكمة سويدية، بعد محاكمة استمرت عامين ونصفًا، استندت إلى عشرات الشهادات من السجناء السياسيين والوثائق الموثقة. وكان من المقرر ترحيله من السويد بعد قضائه مدة السجن، دون السماح له بالعودة مجددًا، وهو ما أُيّد لاحقًا في محكمة الاستئناف.
غير أنّ الصفقة التي جرت في يونيو 2024 بين الحكومة السويدية ونظام الملالي، والتي أفضت إلى إطلاق سراحه، شكّلت ضربة موجعة للعدالة، وأثارت موجة غضب عارمة في أوساط الإيرانيين الأحرار داخل البلاد وخارجها.
إنّ إطلاق سراح هذا الجزار يُعدّ خيانة للعدالة وحقوق الإنسان، ويُعطي ضوءًا أخضر لمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية ليواصلوا جرائمهم دون خشية من المحاسبة، مستخدمين الابتزاز الدبلوماسي واحتجاز الرهائن كأداة للإفلات من العقاب.
منذ لحظة اعتقال نوري، سعى جهاز مخابرات النظام الإيراني عبر عملائه إلى فبركة مشاهد تُمكّنه من الإفلات، لكن إصرار السجناء الشجعان، وشهادات مجاهدي أشرف 3، والمظاهرات المتواصلة التي استمرت لأكثر من عامين أمام محكمة ستوكهولم، من قبل الإيرانيين الأحرار وعائلات الضحايا ومناصري المقاومة، حالت دون ذلك وأبقت المحاكمة قائمة.
هذا الجزار، وبعد 90 جلسة محاكمة، أُدين بالسجن المؤبد ودفع غرامات، إلا أن إطلاق سراحه لاحقًا لم يكن فقط خرقًا لتعهدات السويد الدولية، بل كان أيضًا إهانة للقضاة والمدّعين وكل من طالب بمحاسبة المسؤولين عن مجزرة 1988.
وإن كانت الخسارة السياسية من نصيب الدول التي تُساوم مع الفاشية الدينية، فإن الثمن الحقيقي تدفعه الشعب الإيراني والمقاومة بدمائهم وآلامهم.
صراخ الجزار نوري فوق قبور الشهداء خنجر مسموم في قلب حقوق الإنسان، وإهانة لعائلات لا تزال حتى اليوم تجهل مكان دفن أحبّائها الذين أُعدموا سرًا في صيف 1988، ولم يُترك لهم حتى شاهد قبر يُبقي ذكرى أبنائهم حيّة.
إن صفقة إطلاق سراح نوري لا تُمثّل فقط استهزاءً بضحايا المجازر في إيران، بل تُرسل رسالة خطيرة مفادها أن بإمكان مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية النجاة من العقاب ومواصلة الإجرام بلا رادع.
وقد علّقت منظمة العفو الدولية على نشر فيديو ظهور حميد نوري بالقول:
«في ظلّ تفشّي ثقافة الإفلات من العقاب في إيران، يُمثّل الفيديو الصادم لحميد نوري، أحد المسؤولين السابقين في سجون إيران والمدان بالسجن المؤبد على خلفية مشاركته في مجازر 1988، ضربة أخرى للمجتمع الإيراني ولعائلات الضحايا الذين ما زالوا ينتظرون تحقيق العدالة».
In the video, Hamid Nouri walks in a burial site in Tehran, shamelessly taunting survivors and victims’ families and threatening Iranian dissidents in the diaspora saying: “Your place was also here [grave site] but you escaped abroad”. 2/4
— Amnesty Iran (@AmnestyIran) March 26, 2025
وأضافت المنظمة:
«هذا الفيديو يُعدّ دليلًا إضافيًا على أن صفقات تبادل السجناء تُشجّع المسؤولين الإيرانيين على ارتكاب المزيد من الجرائم، دون خوف من العواقب القانونية».