موقع المجلس:
«السياسة تجاه إيران: التصدّي لإثارة الحرب والإرهاب من قبل النظام الإيراني، ودعم إقامة جمهورية حرّة وغير نوويّة»
في الحادي عشر من ديسمبر 2024، شهد مجلس الشيوخ الأمريكي، في القاعة التاريخية المعروفة باسم “قاعة كينيدي-كوكس”، انعقاد مؤتمر استثنائي ضمّ مجموعة بارزة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من كلا الحزبين، إلى جانب كبار القادة العسكريين السابقين، وسفراء وشخصيات أمريكية مرموقة. حمل المؤتمر عنوان “«السياسة تجاه إيران: التصدّي لإثارة الحرب والإرهاب من قبل النظام الإيراني، ودعم إقامة جمهورية حرّة وغير نوويّة»”، وشارك فيه نخبة من صُنّاع القرار والخبراء المتمرسين في السياسة الخارجية والأمن القومي.
اتسم هذا الحدث بكونه منصّة استثنائية لبلورة توافق متنامٍ بشأن ضرورة تبنّي سياسة حازمة ومبدئية تجاه نظام طهران. وكانت أبرز محطات المؤتمر الكلمة التي ألقتها السيّدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية (NCRI)، عبر الإنترنت. وشهدت الجلسة اتفاقاً واسع النطاق على ضرورة مواجهة تصدير النظام الإيراني للإرهاب، ودعم مسار التغيير الديمقراطي في إيران، والعمل على منع طهران من امتلاك السلاح النووي، وصولاً إلى إقامة جمهورية حرّة وديمقراطية تستجيب لتطلعات الشعب الإيراني.
السياق والهدف من المؤتمر
عكَس عنوان المؤتمر “«السياسة تجاه إيران: التصدّي لإثارة الحرب والإرهاب من قبل النظام الإيراني، ودعم إقامة جمهورية حرّة وغير نوويّة»” جوهر النقاشات. فخلال السنوات الأخيرة، واجه النظام الإيراني انتقادات دولية متزايدة جراء انتهاكاته الواسعة لحقوق الإنسان وسعيه لامتلاك السلاح النووي، فضلاً عن دعمه الجماعات الإرهابية وعناصر عدم الاستقرار في المنطقة. وأتت هذه الفعالية في لحظة وصفها العديد من المتحدثين بأنها “منعطف تاريخي”، حيث يظهر النظام الإيراني في موقف ضعف استراتيجي، مع تراجع نفوذه الإقليمي واشتداد مقاومة الشعب الإيراني في الداخل والخارج.
شارك في المؤتمر عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي البارزين، من بينهم السيناتور تيد كروز، والسيناتور توم تيليس، والسيناتورة جين شهين، والسيناتور كوري بوكر. هؤلاء معروفون بعملهم في لجان الشؤون الخارجية والقضاء والأمن القومي. كما حضر شخصيات رفيعة المستوى من المسؤولين الأمريكيين السابقين، من بينهم الجنرال جيمس جونز (مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق عام 2010)، والجنرال كيث كلاغ (مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس السابق مايك بنس – 2021)، والجنرال تاد وولترز (قائد الناتو بين 2019 و2022)، والسفير سام براونباك (السفير المتجوّل للحرية الدينية عام 2021)، والسفير محمد عبد الله الحضرمي (سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير خارجية اليمن السابق عام 2020)، والسفير مارك جينزبرغ (السفير الأمريكي الأسبق في المغرب). حظيت كلمات هؤلاء بمصداقية كبيرة نظراً لما يتمتعون به من خبرة عملية ومعرفة واسعة بالشؤون الدولية.
كلمة مريم رجوي: خارطة طريق نحو التغيير
أبرز لحظات المؤتمر تمثّلت في الكلمة التي ألقتها السيدة مريم رجوي عبر الإنترنت. بصفتها الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، عرضت رجوي رؤية واضحة تؤكد أن سقوط النظام الإيراني ليس مجرد احتمال نظري، بل هدف بات قابلاً للتحقيق. وشدّدت رجوي على أنّ الحل الحقيقي للأزمات المتواصلة في إيران، بالإضافة إلى تصرفات النظام العدائية، هو إسقاط هذا النظام على أيدي الشعب والمقاومة الإيرانية المنظمة. ودعت المجتمع الدولي للاعتراف الصريح بحق الشعب الإيراني في الإطاحة بحكم الملالي وبدور المقاومة الحاسم في هذا المسار.
وأكدت رجوي أن هدف المقاومة الإيرانية لا يتمثل في الاستيلاء على السلطة، بل في تمكين الشعب الإيراني من تقرير مصيره عبر انتخابات حرّة وديمقراطية. وأوضحت أنّ لدى المقاومة خريطة طريق عملية لبناء مجتمع حرّ وديمقراطي في إيران، وأن هذه الفرصة أقرب مما قد يتصوّره الكثيرون.
مواقف أعضاء مجلس الشيوخ
أوضح أعضاء مجلس الشيوخ المتحدّثون، جمهوريين وديمقراطيين، أنّ موقفهم تجاه قضيّة الشعب الإيراني يتجاوز الخلافات الحزبية. فقد أعرب السيناتور توم تيليس عن تقديره العميق لقيادة السيدة رجوي الممتدّة على عقود، ورؤيتها لتحقيق انتقال سلمي في إيران، لا يهدف إلى وصول نخبة جديدة إلى الحكم، بل إلى تمكين الإيرانيين أنفسهم من رسم مستقبلهم. وأضاف تيليس أنّ هذا المنعطف التاريخي قد يفتح الآفاق أمام شرق أوسط أكثر استقراراً وديمقراطية، وأنّ الولايات المتحدة يمكنها المراهنة على مضاعفة الدعم لمشروع القرار رقم 599 في مجلس الشيوخ، بما يضمن وقوف أمريكا جنباً إلى جنب مع دعاة الحرية في إيران.
ومن جهتها، أكّدت السيناتورة جين شهين، وهي شخصية بارزة في لجنة العلاقات الخارجية، أنّ ما حدث في سوريا – بروز ضعف النظام الإيراني في سياساته الإقليمية – يمثّل مؤشراً على تراجع النظام الإيراني. وأوضحت: “نريد أن يكون هذا النظام هو التالي في السقوط.” وأشارت شهين إلى أنّ نظام طهران بات في موقع ضعيف، ويجب استثمار هذه اللحظة الاستراتيجية لتعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة في إيران، مع تعزيز التواصل والتعاون مع المقاومة الإيرانية.
أمّا السيناتور كوري بوكر، وهو من قيادة الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ، فقد شدّد على أنّ القضية الإيرانية ليست مشكلة إيرانية فحسب، بل هي شأن إنساني ودولي. فالظلم في أي مكان يهدد العدالة في كل مكان، والنظام الإيراني ليس مجرد تهديد لشعبه، بل يعكّر صفو النظام العالمي باستصداره الإرهاب وقمعه المتواصل لشعبه. أعلن بوكر دعمه لمشروع القرار رقم 599 الذي قدمه تيليس وشهين، وأكّد أنّه لا يوجد انقسام حزبي في دعم العدالة للشعب الإيراني. ودعا إلى حماية حقوق الإيرانيين في المنفى، ولا سيما في “أشرف 3” بألبانيا، ومنع طهران من امتلاك السلاح النووي، ووقف تمويلها للإرهاب. واختتم بوكر بالقول: “طالما بقيتُ سيناتوراً في الولايات المتحدة، وطالما بقيت أتنفس، فسأقف مع الشعب الإيراني ضد القمع والظلم.”
بدوره، أعلن السيناتور تيد كروز أنّ التغيير قادم بسرعة، وأنّ النظام الإيراني في حالة خوف وضعف شديدين. وأكد كروز أنّه دافع لسنوات عن سياسة “تغيير النظام” في إيران، مشيراً إلى أنّ خامنئي وحكم الملالي آيلان للسقوط، وأنّ الانتخابات الحرّة والديمقراطية في إيران أقرب مما يظنّ الكثيرون. وشدّد كروز على ضرورة إعادة سياسة “الضغط الأقصى” واستهداف الموارد المالية للنظام، بما في ذلك صادرات النفط والبرامج النووية. وقال: “الحرية في طريقها إلينا، وقد تأتي بسرعة تفاجئ الجميع، تماماً كما حدث مع بشار الأسد.”
مداخلات الشخصيات العسكرية والدبلوماسية الأمريكية
أضفت كلمات الجنرالات والسفراء السابقين بعداً مهماً على النقاش. افتتح السفير مارك جينزبرغ المؤتمر بالإشارة إلى عمله السابق مع السيناتور الراحل إدوارد كينيدي، مشدّداً على أنّ السياسة الأمريكية الخارجية يجب أن تكون بعيدة عن التجاذب الحزبي، وتركّز على الفعالية وتحقيق النتائج. وأكّد جينزبرغ أنّ النظام الإيراني في موقف دفاعي، وأنّه فشل في تلبية تطلّعات شعبه.
وتناولت الشخصيات الحاضرة سياسات طهران في التخطيط لعمليات اغتيال داخل الولايات المتحدة، واختراق شبكات التواصل الاجتماعي الأمريكية، ومحاولات خطف مواطنين أمريكيين. وأكّد المتحدثون أنّه لا يمكن للمجتمع الدولي الوقوف مكتوف الأيدي إزاء هذه الممارسات، وأنّه آن الأوان لمحاسبة النظام الإيراني ومنعه من الإفلات من العقاب.
التوافق الحزبي على التغيير
كان لافتاً في هذا المؤتمر إجماع الجمهوريين والديمقراطيين على أنّ دعم الشعب الإيراني لا يجب أن يتلوّا بخلافات حزبية داخلية. فقد شدّد جميع المتحدثين على أنّ المرحلة الحالية تقتضي الوقوف جنباً إلى جنب مع الإيرانيين ومقاومتهم المنظمة، والاعتراف بحقهم في إسقاط نظام الملالي وتأسيس جمهورية تعددية ديمقراطية. وأكّدوا أنّ الأمر لا يتعلّق بجلب فئة جديدة من الحكّام، بل بنقل السلطة إلى الشعب الإيراني نفسه ليختار ممثليه بحريّة.
وأجمع المتحدثون على ضرورة العمل على قطع الطريق أمام طهران لامتلاك السلاح النووي ووقف تمويلها للإرهاب، بما يخدم استقرار المنطقة والعالم. وإذا حظيت المقاومة الإيرانية بالدعم الدولي المناسب، فيمكن تحقيق تحوّل تاريخي في مسار إيران نحو دولة مسالمة لا تهدّد جيرانها، وتحترم حقوق شعبها، وتصبح شريكاً إيجابياً في المنطقة.
أكّد المؤتمر الذي عُقد في مجلس الشيوخ الأمريكي في 11 ديسمبر 2024 أن النظام الإيراني يعاني من هزائم استراتيجية متراكمة، وأنّه لم يعد قادراً على إخفاء ضعفه أمام شعبه وأمام العالم. شدّد الحاضرون على أنّ الوقت قد حان للاعتراف بالدور المحوري للمقاومة الإيرانية، ومنح الشعب الإيراني الوسائل والدعم الدولي اللازمين لانتزاع حريته وإقامة نظام ديمقراطي تعدّدي غير نووي.
لا شكّ أنّ هذا المؤتمر يمثّل علامة فارقة، إذ يعكس تزايد الوعي الدولي بضرورة تغيير النهج تجاه النظام الإيراني. ومع ارتفاع الأصوات في واشنطن لدعم حقوق الإيرانيين ومقاومتهم، يمكن أن نكون أمام لحظة تاريخية تُفضي إلى إيران جديدة، دولة تستند إلى حكم القانون، وتحترم التعددية والحريّات، وتكون خالية من إرهاب الملالي وطموحاتهم النووية. في نهاية المطاف، فإن رسالة المؤتمر واضحة: التغيير ليس ممكناً فحسب، بل هو بات قاب قوسين أو أدنى.