موقع المجلس:
وصلت أزمة القطاع الصحي في إيران إلى مرحلة خطيرة، حيث لم يعد ملايين المواطنين قادرين على الاختيار إلا بين الغذاء أو الدواء. فبعد التصريحات الأخيرة لرئيس نقابة الممرضين الإيرانيين التي أكد فيها أن “عدداً من المرضى يفقدون حياتهم نتيجة النقص الكبير في الطواقم التمريضية”، كشفت التقارير المحلية عن مأساة أخرى موازية في قطاع الأدوية، إذ باتت الصيدليات التي كانت مكتظة بالمرضى تعاني من رفوف فارغة ومرضى يغادرون دون علاج.
وعلى الرغم من تأكيد وزارة الصحة أن “90% من احتياجات العملة الصعبة للأدوية مؤمّنة”، إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك؛ فأسعار الدواء شهدت ارتفاعاً كبيراً، والمواد العلاجية المتوفرة أصبحت محدودة، في ظل تدهور القوة الشرائية للمواطن الإيراني.

أزمة الدواء: تهديد اجتماعي وأمني يتفاقم
في خطوة نادرة، حذرت صحيفة جهان صنعت الحكومية من خطر “خفي وشديد” يتشكل داخل المجتمع الإيراني.
تراجع القدرة الشرائية: 30% من المرضى يعودون بلا علاج
تحوّل النقص الذي كان يقتصر سابقاً على الأدوية المتخصصة إلى ندرة شملت الأدوية الأساسية الشائعة كالمسكنات، والمضادات الحيوية، والمكملات الغذائية. وعلى الرغم من وعد الحكومة بضبط الأسعار، يؤكد نواب في البرلمان أن إلغاء سعر الصرف التفضيلي للأدوية أدى إلى ارتفاع أسعار الأدوية الضرورية بنسبة وصلت إلى 400%.

تشير استطلاعات حديثة إلى أن “3 من كل 10 مراجعين يغادرون الصيدليات دون الحصول على أدويتهم”. حتى المكملات الشائعة مثل “أوميغا 3” وفيتامين B12 أصبحت خارج متناول كثير من المواطنين بعد ارتفاع أسعارها (قفز سعر حقنة B12 بأكثر من 228%) دون تغطية تأمينية. ويأتي هذا في وقت تفيد فيه الإحصاءات الرسمية بأن “واحدة من كل ثلاث حالات وفاة في إيران مرتبطة بسوء التغذية”.
الأسباب الجوهرية للأزمة: أولويات عسكرية ونووية
يرى المتخصصون أن جذور الأزمة ليست ناجمة فقط عن الفساد أو سوء الإدارة، بل عن سياسات النظام التي تُعلي من شأن البرامج العسكرية والنووية ودعم الجماعات المسلحة، ما تسبب في فرض أشد العقوبات المالية على البلاد.
ساهم تفعيل آلية “سناب باك” بإعادة فرض العقوبات الأممية في تعميق الأزمة، إذ توجه طهران معظم ما لديها من عملة صعبة إلى التسليح وتمويل الميليشيات المتحالفة معها، على حساب قطاعات أساسية كالصحة والرفاه الاجتماعي.
ورغم هذه التداعيات، يواصل قادة النظام – ومنهم المرشد علي خامنئي والرئيس مسعود بزشكيان – التقليل من أثر العقوبات، معتبرين أن تأثيرها الاقتصادي “محدود”.
معالم الأزمة بالأرقام
أصدرت “شبكة الباحثين الإيرانيين الأحرار” تقريرًا أعده الدكتور حسين جهانسوز، الخبير في الكيمياء الحيوية والمدير التنفيذي في الولايات المتحدة لأكثر من 30 عامًا. يشير التقرير إلى أن ما يجري هو أزمة مفتعلة تقف وراءها شبكات فساد معروفة باسم “مافيا الأدوية”، ترتبط بمقربين من النظام والحرس الثوري، وأنها ليست نتاج العقوبات الدولية كما تدعي السلطات.
نقص متزايد وسوق سوداء ناشطة
تفيد بيانات البرلمان بأن 150 إلى 165 دواءً أساسياً بات نادرًا خلال العامين الأخيرين. وتشكو الصيدليات من نقص حاد في الأنسولين، وأدوية الكلى، والعلاجات الهرمونية، وحتى الفيتامينات.
ومع وصول الوضع إلى مرحلة يضطر فيها المواطن للاختيار بين الدواء والغذاء، قال الدكتور أحمدي لموقع “فرارو”: “حين يضطر المرضى للتوقف عن العلاج بسبب تكلفة الدواء، تتدهور حالتهم، وترتفع فاتورة العلاج لاحقًا، وتدخل منظومة الصحة في أزمة أعمق”.
كما ارتفعت أسعار لقاحات الإنفلونزا إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يُباع اللقاح الفرنسي في السوق السوداء بما يقارب مليوني تومان، ما يعكس غياب الدور الرقابي الحكومي.
خاتمة
لم تعد أزمة الدواء مجرد مشكلة صحية، بل تحولت إلى حالة طوارئ وطنية تكشف آثار سياسات النظام. فبينما يواصل النظام تمويل مشاريعه العسكرية ودعم ميليشياته في الخارج، يُحرم ملايين الإيرانيين من الحصول على الأدوية المنقذة للحياة. وتبدو رفوف الصيدليات الفارغة اليوم رمزاً واضحاً لتضحية النظام بصحة الشعب في سبيل أولوياته السياسية والأيديولوجية.








