موقع المجلس:
أقر مركز الإحصاء التابع للنظام الإيراني في تقريره الأحدث بأن معدل التضخم النقطي للأسر وصل إلى 48.6% في الشهر الماضي، مما يعني أن العائلات الإيرانية أنفقت نحو نصف قيمتها الإضافية من الدخل للحصول على السلع والخدمات نفسها مقارنة بالعام السابق. هذا الرقم ليس مجرد إشارة إحصائية، بل هو إقرار رسمي بتفكك الاقتصاد الإيراني بشكل كامل.
ولأول مرة منذ سنوات، اضطرت حتى الإعلام الرسمي إلى اللجوء إلى مصطلحات حادة مثل “الانهيار” و”الانفجار الاقتصادي”. تساءلت صحيفة “جهان صنعت” التابعة للنظام بصراحة: “هل اقتربت إيران من حافة الانهيار الاقتصادي الكلي؟”، مشيرة إلى أن العقوبات وصلت إلى أوجها، وأن موارد الدولة أصبحت في أدنى مستوياتها، بينما يُدمِّر التضخم المستمر قدرة الشراء لدى ملايين الإيرانيين.
لم تعد الدعاية الرسمية قادرة على إخفاء الحقيقة. فحتى الخبراء الاقتصاديين داخل النظام يشهدون بأن البلاد تمر بمرحلة تفكُّك اقتصادي لم يُسبق له مثيل، وسط تصاعد الصراعات بين العصابات في قمة السلطة وضعف خامنئي الذي أفضى إلى كشف فضائح الفساد من قلب أعمدة النظام ذاتها.
كشف الخبير الاقتصادي الحكومي محمود جامساز أن جذر الكارثة يكمن في غياب رؤية التنمية والتخطيط في بنية الحكم، حيث تعامل النظام مع فكرة التنمية كعدو أيديولوجي. وأضاف أن إيران، التي تمتلك ثروات هائلة فوق الأرض وتحتها، حصلت منذ عام 1979 وحتى نهاية 2024 على أكثر من 1700 مليار دولار من إيرادات النفط، لكن معظمها اختفى في جيوب الطبقة الحاكمة، ولو استُثمر ثلثه في البنية التحتية لما وصلت البلاد إلى هذه الهاوية.
النهب المنظَّم: سلاطين الفساد يُسيطِرون على الاقتصاد
السبب الرئيسي للكارثة هو السرقة المنهجية التي يمارسها النظام من خلال مؤسساته الطَّفِيلِيَّة، حيث تحولت موارد الدولة إلى أدوات لإثراء العصابات المُقَرَّبَة من السلطة.
وصف جامساز الوضع بدقة: “برز في كل قطاع سلطان جديد – سلطان النفط، سلطان الغاز، سلطان السكر، سلطان الإطارات، سلطان العملة – يُدَبِّرون الاقتصاد كالأخطبوط الذي يلتهم فرائسه”.
وأشار إلى أن النظام يُحَقْنُ يوميًا نحو 10 آلاف مليار تومان من السيولة، أي تضخمًا يتجاوز 80%، ينعكس مباشرة على معيشة المواطنين.
ومن أبرز الأمثلة فضيحة بنك “آينده”، حيث ابتلعت القروض الضَّخْمَة للمُقَرَّبِين من النظام مليارات الدولارات من الأموال العامة، بينما اكتفت الحكومة بـ”يد طويلة للاستيلاء ويد قصيرة للإعطاء” لا تمتد إلا إلى المُحَاطِين بمراكز السلطة.
الأسباب السياسية: العداء الدولي بدلًا من التنمية
السبب الثاني هو الطابع السياسي الرَّجْعِيّ للنظام، الذي جعل تصدير الثورة والعداء للعالم أساسًا لبقائه. فمنذ 45 عامًا، استُهْلَكَتْ الثروات في الإرهاب والمغامرات الإقليمية بدلًا من استثمارها في التعليم والصناعة والإصلاح. كما أوضح جامساز: “تحوَّلَتْ مَوَارِدُ الْتَّنْمِيَةِ إِلَى وَقُودٍ لِأَوْهَامٍ أَيْدِيُولُوجِيَّةٍ”.
تضخُّمٌ مُسْتَمِرٌّ ومَعِيشَةٌ مُنْهَارَةٌ
بهذا، لم يَبْقَ أَمَامَ الشَّعْبِ إِلَّا مُوَاجَهَةُ دَوَّامَةٍ مِنَ الْفَقْرِ وَالتَّضَخُّمِ وَالْبِطَالَةِ، بَيْنَمَا تَسْتَمِرُّ طَبَقَةُ الْحُكْمِ فِي النَّهْبِ غَيْرِ الْمُحَدَّدِ. فَطَالَمَا بَقِيَ هَذَا النَّظَامُ قَائِمًا، لَنْ يَتَغَيَّرَ شَيْءٌ سِوَى ازْدِيَادِ الْفَسَادِ وَالْخَرَابِ، لِأَنَّ الْمُسْتَفِيدِينَ مِنَ السُّلْطَةِ لَا يَرَوْنَ مَصَالِحَهُمْ إِلَّا فِي اسْتِمْرَارِ الْوَضْعِ الْحَالِيِّ.
فِي النِّهَايَةِ، يَتَّضِحُ الْمَشْهَدُ الْإِيرَانِيُّ فِي مُعَادَلَةٍ صَارِخَةٍ:
نَظَامٌ يَحْفَظُ بَقَاءَهُ بِالْقَمْعِ وَالْإِعْدَامَاتِ وَالنَّهْبِ، وَشَعْبٌ يُقَاوِمُ مِنْ أَجْلِ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَالَةِ وَتَوْزِيعِ الْثَرْوَةِ بِعَدْلٍ.
إِنَّهَا مَعْرَكَةٌ بَيْنَ مَنْ يَقْتَاتُ عَلَى دِمَاءِ الشَّعْبِ، وَمَنْ يُضَحِّي لِأَجْلِ مُسْتَقْبَلٍ خَالِيٍ مِنَ الطُّغْيَانِ وَالْفَسَادِ.
مريم رجوي الرئيسة الجمهورية لإيران المستقبل








