موقع المجلس:
في مقال تحليلي نشره موقع “شبكة العلماء الإيرانيين الأحرار”، يقدم الدكتور حسين جهانسوز قراءة عميقة لطبيعة الحكم في إيران، واصفًا النظام بأنه “سجّان يدير سجنًا واسعًا بحجم الوطن”.
يقول جهانسوز إن سلطة طهران لم تعد تكتفي بوضع القوانين، بل حولت الحياة اليومية إلى منظومة تفتيش متكاملة تمتد من المدارس والمصانع إلى الإنترنت، قائمة على ثلاث ركائز رئيسية: المراقبة الرقمية الشاملة، وسلسلة القمع القضائي، وآلة الإعدام التي تستخدم الخوف وسيلةً للبقاء.

محو الذاكرة وتوسيع القمع
في الوقت نفسه، أشار مقال آخر نُشر في موقع International Policy Digest إلى أن النظام الإيراني يتبع سياسة مزدوجة تقوم على طمس ذاكرة ضحاياه وتصعيد القمع الراهن. استهل المقال بمشهد مؤلم لامرأة مسنة تراقب الجرافات وهي تدمر القبور في المقبرة 41 بمجمع “بهشت زهرا” بطهران، في رمز واضح لمحاولة محو آثار الجرائم الجماعية الماضية.
الركيزة الأولى: المراقبة الرقمية وتحويل المجتمع إلى شبكة رقابة
منذ انتفاضة عام 2022، وسّع النظام استخدام أدوات المراقبة مثل الكاميرات، وتقنيات التعرف على الوجه، والطائرات المسيّرة، وتطبيقات الإبلاغ الذاتي.
تهدف هذه الوسائل إلى تتبع النساء غير المحجبات والمواطنين المصنفين كـ“منحرفين”، لكنها في الواقع تؤسس لنظام رقابة اجتماعية شامل يرسم خرائط للحركة اليومية ويتحكم في فرص العمل والتعبير.
بل تم دفع الشركات والمواطنين إلى التجسس على بعضهم البعض، لتتحول الحياة العامة إلى امتداد لجهاز أمني ضخم.
الركيزة الثانية: القضاء كذراع للعقاب
الاعتقال في إيران، كما يوضح جهانسوز، ليس إجراءً قانونيًا بل عملية قمعية متقنة.
توثّق التقارير منذ انتفاضة 2022 سلسلة متكررة من الاعتقال التعسفي، والعزل، وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب، والمحاكمات المغلقة، وصولًا إلى تنفيذ أحكام الإعدام.
وتشير بيانات من الداخل الإيراني إلى استمرار المداهمات والاستدعاءات خلال عامي 2024 و2025، ما يعكس استمرارية القمع كسياسة رسمية لا كاستثناء.
الركيزة الثالثة: الإعدام كأداة للترهيب
تحوّلت الإعدامات إلى اللغة الأكثر وضوحًا للنظام في فرض الخوف.
فقد ارتفع عدد حالات الشنق إلى مستوى غير مسبوق، مع استهداف خاص للأقليات والقضايا ذات الطابع السياسي.
وبحلول سبتمبر 2025، تجاوز عدد من نُفذ فيهم الحكم ألف شخص، وسط انتهاكات جسيمة لحقوق الدفاع والإجراءات القانونية، في رسالة واضحة: “المعارضة تساوي الموت.”
حرب شاملة على المجتمع المدني
القمع لا يقتصر على قضايا الحجاب، بل يمتد إلى كل مساحة تشهد تعبيرًا مستقلاً أو تضامنًا جماعيًا.
تتعرض نقابات المعلمين والعمال والصحفيين والفنانين والمدافعين عن البيئة لحملات اعتقال ومضايقات مستمرة.
ويُزج بالمعلمين في السجون بسبب نشاطهم النقابي السلمي، وتُعامل احتجاجات العمال كتهديدات أمنية، فيما يُتهم الصحفيون بالتجسس.
حتى علماء البيئة الذين يوثقون سوء الإدارة البيئية أصبحوا موضع شبهات أمنية، بينما تتحمل الأقليات العرقية والدينية – كالبلوش والكرد والعرب الأهوازيين – العبء الأكبر من القمع والإعدامات.
كيف تعمل منظومة القمع؟
يختصر الدكتور جهانسوز بنية السيطرة بخمس نقاط أساسية:
عسكرة الحياة اليومية: تحويل التعليم والصحة والبيئة إلى مجالات مراقبة أمنية.
أقمنة الإنفاذ: إشراك البنوك وشركات الاتصالات والمتاجر والمارة في عملية الرقابة.
القضاء كدرع شرعي: تحويل المحاكم إلى أداة لتجريم الاحتجاج والصحافة.
هيمنة استخبارات الحرس الثوري: الجهة التي تدير فعليًا مفاصل الحكم دون رقابة مدنية.
الإعدام كخلفية دائمة للرعب: يرسخ الخوف كجزء من النظام الاجتماعي.
القمع الذي ينتج الهشاشة
يخلص جهانسوز إلى أن القبضة الحديدية لا تنتج استقرارًا بل ضعفًا.
فالتحدي اليومي للسلطة – كرفض الحجاب الإجباري أو العصيان المدني – يكشف عن عجز النظام عن فرض القبول الطوعي.
وبحسبه، كلما ازداد القمع، ازدادت هشاشة النظام.
ويؤكد أن تجديد وتوسيع ولايات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في عام 2025 يمثل خطوة مهمة نحو توثيق الجرائم وفتح أبواب المساءلة المستقبلية.








