موقع المجلس:
في تطور غير مسبوق داخل أروقة الحكم الإيراني، انفجرت مواجهة علنية بين رئيس النظام مسعود بزشكيان وصحيفة “كيهان” المقرّبة من المرشد الأعلى علي خامنئي، في مؤشر جديد على تفاقم الصراع داخل هرم السلطة وعجز خامنئي عن ضبط أجنحته المتناحرة.
الخلاف الذي كان يُدار في الماضي خلف الأبواب المغلقة بات اليوم على صفحات الصحف الرسمية، كاشفًا عن حجم التآكل الذي أصاب بنية النظام السياسية والاقتصادية.
صراع الأجنحة يتفجّر من الداخل
تعيش طهران منذ أسابيع حالة من التوتر السياسي غير المسبوق، مع تصاعد الاتهامات المتبادلة بين أركان النظام. ويرى مراقبون أن هذا التصعيد يأتي نتيجة تراجع قبضة خامنئي على مراكز القرار، وتفاقم الفشل الاستراتيجي للنظام في الداخل والخارج، إضافة إلى الاحتقان الشعبي المتزايد الناتج عن الأزمات المعيشية والاقتصادية المتلاحقة.
اعتراف نادر من بزشكيان: “نحن عاجزون عن دفع الرواتب”
في خطوة نادرة وُصفت بأنها اعتراف رسمي بالعجز المالي والإداري، قال بزشكيان خلال مقابلة بثها التلفزيون الرسمي في 29 أكتوبر إن الحكومات الإيرانية المتعاقبة “تسببت في تراكم التضخم والغلاء نتيجة التوسع غير المدروس في الإنفاق”.
وأضاف بمرارة:
“لقد قمنا بأعمال ما كان يجب أن نقوم بها دون النظر إلى الموارد، والنتيجة أننا اليوم لا نستطيع حتى دفع الرواتب والمستحقات في وقتها.”
وتابع خلال لقائه مع عدد من الممرضين قائلًا:
“أنتم تعلمون جيدًا أن من يجلسون في المقرات يحصلون على رواتبهم أولاً، بينما البقية يُتركون بلا مستحقات.”
تصريحات بزشكيان مثلت سابقة في الخطاب الرسمي الإيراني، إذ تضمنت إقرارًا بفشل مؤسسات الدولة في تلبية أبسط التزاماتها المالية.
“كيهان” تهاجم بعنف: “المخاطَب بـ‘يجب’ هو أنت!”
لم تتأخر صحيفة “كيهان” في الرد، إذ نشرت في اليوم التالي افتتاحية حادة بعنوان:
“المخاطب بـ‘يجب’ هو الحكومة نفسها… إدارة البلاد لا تتم بالشعارات.”
واتهمت الصحيفة بزشكيان بأنه “ينشغل بإلقاء الخطب بدلاً من تنفيذ الوعود”، مؤكدة أن الحكومة الحالية “تكرر أخطاء حكومة روحاني التي رهنت مصير البلاد بالمفاوضات مع الغرب”.
وأضافت أن “إدارة الدولة لا يمكن أن تُبنى على تحديد ما يجب وما لا يجب، لأن الجهة المسؤولة عن التنفيذ هي الحكومة نفسها”، في إشارة واضحة إلى تحميل بزشكيان شخصيًا مسؤولية الفشل.
انكشاف الشرخ داخل النظام
هذا التبادل العلني للاتهامات بين رئيس النظام ووسيلة الإعلام الأقرب إلى المرشد يعكس تصدعًا داخليًا عميقًا، ويؤكد أن خامنئي فقد السيطرة على إدارة الانقسامات داخل مؤسساته.
فالاعتراف بالعجز المالي من جهة، والهجوم العنيف من الجهة الأخرى، يكشفان أن النظام لم يعد قادرًا على إخفاء مظاهر الانهيار.
إن ما كان في الماضي “خلافات داخلية صامتة” تحوّل اليوم إلى حرب كلامية علنية تفضح عجز القيادة عن إدارة الدولة وتؤكد أن الانهيار الإداري والاقتصادي وصل إلى قلب السلطة.
وبينما يتبادل المسؤولون الاتهامات، يبدو أن النظام الإيراني يواجه مرحلة تفكك غير مسبوقة قد تهدد بقاءه ذاته.








