موقع المجلس:
في وقتٍ تكتسب فيه المبادرات الدولية لوقف إطلاق النار في غزة زخماً متزايداً، تبدو طهران في حالة ذعرٍ غير مسبوقة. فبدلاً من الترحيب ببوادر السلام، شنّ النظام الإيراني حملة واسعة من الخطابات العدائية والتحريضية، كاشفاً عن نمطٍ مستمر منذ أكثر من أربعة عقود، يقوم على البقاء من خلال تأجيج النزاعات والقمع الداخلي وتصدير الإرهاب.
ذعر طهران من مبادرة السلام
مع تصاعد الجهود الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة في أكتوبر 2025، ساد تفاؤلٌ نسبي في المنطقة بإمكانية إنهاء الصراع وإطلاق عملية إعادة الإعمار. لكن على النقيض تماماً، كانت ردة فعل النظام الإيراني غضباً واستنفاراً. فقد تصدرت وسائل الإعلام الرسمية ومنابر صلاة الجمعة حملة هجوم شرسة على المبادرة، ووصفتها بأنها “مؤامرة شيطانية”، محذّرةً الفلسطينيين من الوثوق بالولايات المتحدة، ورافضةً فكرة الحوار من أساسها.
هذا التصعيد، كما يرى مراقبون، لم يكن سوى انعكاس لأعمق مخاوف النظام: فاستقرار المنطقة يعني زوال البيئة الفوضوية التي تمكّنه من ترسيخ حكمه تحت ذريعة “المقاومة” ومواجهة “العدو الخارجي”.
رجوي: “خامنئي لن يتوقف عن إشعال الحروب ما دام في السلطة”
في المقابل، رحّبت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، بالمبادرة ووصفتها بأنها خطوة أساسية نحو إنهاء الحرب في غزة. وقالت في بيان رسمي:
“أرحب بوقف إطلاق النار وآمل في سلامٍ عادل ودائم. خامنئي، ما دام في الحكم، لن يكفّ عن عرقلة السلام أو إشعال الحروب والفوضى.”
وأوضحت رجوي أن النظام الإيراني يعتمد منذ تأسيسه على ثلاث ركائز أساسية للبقاء: القمع الداخلي، وتصدير الإرهاب، والسعي لامتلاك السلاح النووي، مؤكدةً أن طهران لطالما استغلت القضية الفلسطينية لتبرير تدخلاتها الإقليمية وتصدير أزماتها الداخلية.
وأضافت أن النظام “استثمر في معاناة الفلسطينيين أكثر من أي جهة أخرى خلال الـ45 عاماً الماضية، عبر نشر الأصولية وزرع الانقسامات ومحاولات الاغتيال ضد قادة منظمة التحرير، ما أطال أمد المأساة بدل إنهائها”.
مبادرة السلام تكشف مأزق طهران
تدعو خطة الرئيس الأمريكي إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتبادل الرهائن، وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة إلى غزة، وقد حظيت بترحيب واسع من الدول والمنظمات الدولية. إلا أن هذا المسار نحو السلام يثير رعب طهران التي ترى في الهدوء تهديداً مباشراً لنفوذها الإقليمي. فالنظام الإيراني، كما تشير رجوي، “يتغذى على استمرار الحروب وخلق الأزمات التي تبرر وجوده”، وكل خطوة نحو الاستقرار تضعف قبضته على وكلائه في المنطقة وتفضح زيف شعاراته الثورية.
منابر النظام… صوت الخوف
سبق الهجوم الرسمي على خطة السلام حتى إعلان حماس استعدادها لمناقشتها. فقد صعّد أئمة الجمعة التابعون لخامنئي خطابهم العدائي. وصف أحمد خاتمي، إمام جمعة طهران، المقترح الأمريكي بأنه “خطة شيطانية”، مؤكداً أن “الفلسطينيين لن يقبلوها، كما أن أمريكا لم تفعل شيئاً طوال 47 عاماً ولن تفعل الآن”.
أما قاسم شهرياري، إمام جمعة بيرجند، فذهب أبعد من ذلك محذّراً من أن خطة السلام “تشبه الاتفاق النووي الإيراني”، معتبراً أن “الولايات المتحدة والغرب لا يُوثق بهما”، وزعم أن “مؤامرة جديدة تُحاك ضد غزة بضوء أخضر من واشنطن وترامب”.
نظام يعيش على الفوضى
هذه الخطابات الغاضبة ليست تعبيرات عفوية، بل انعكاس منظم لحالة ذعر داخل النظام الإيراني الذي يدرك أن أي تسوية سلمية في المنطقة ستضعف دوره. فكل هدنة أو مصالحة تعني تقليص نفوذه، وحرمانه من الفوضى التي يتغذى عليها لتبرير القمع الداخلي وتصدير أزماته للخارج.
وهكذا، بينما تتجه المنطقة نحو البحث عن حلول دائمة للصراع، يصرّ النظام الإيراني على البقاء رهينةً لمنطق الحرب، لأنه يدرك أن السلام هو الخطر الأكبر على بقائه.








