موقع المجلس:
تكشف الأزمة السياسية والاقتصادية الناجمة عن العجز عن الحسم بشأن قوانين مجموعة العمل المالي (FATF) عن عمق مشكلات هيكلية وإدارية في النظام الإيراني. فقد أظهر التأجيل المتكرر لمناقشة هذه المشاريع، والذي امتد لسنوات، وجود أزمة متجذرة لا يمكن تجاوزها بسهولة.
تناقض النظام حيال القوانين المالية
يواجه النظام تناقضًا واضحًا في مواقفه من هذه القوانين. من جهة، تفرض إليه الضرورة الاقتصادية والرغبة في الخروج من العزلة الانضمام إلى النظام المالي الدولي والامتثال لمتطلبات (FATF). ومن جهة أخرى، يعني إقرار تلك النصوص تقييدًا لجهاز مثل حرس الثورة وتقليصًا لقدرة السلطة على تمويل ودعم شبكاتها الموالية، مثل حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن.
وتفاقمت الخلافات بعد تفعيل آلية الزناد، حتى صار الانخراط في مجموعة العمل المالي، وخصوصًا الانضمام إلى اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب (CFT)، نقطة توتر محورية بين أجنحة السلطة.
قرار مجمع تشخيص مصلحة النظام
في الأول من أكتوبر، أصدر مجمع تشخيص مصلحة النظام — في جلسة ترأسها صادق لاريجاني وبحضور رؤساء السلطات الثلاث — قرارًا حَمل شروطًا: كما صرح دهنوي، المتحدث باسم المجمع، فإن “الجمهورية الإسلامية ستلتزم باتفاقية (CFT) في إطار دستورها وقوانينها الداخلية، وإذا تعارضت أي مادة من الاتفاقية مع القوانين الداخلية فستُعمل القوانين المحلية.” بالاستناد إلى هذين الشرطين، وافق المجمع على الانضمام إلى (CFT)، وطالب الجهات المعنية بالدخول في مفاوضات مع (FATF) ومتابعة تنفيذ الإجراءات المطلوبة، إذ أن الانضمام كان أحد مطالب إزالة إيران من القائمة السوداء إلى جانب اتفاقية باليرمو.
رد فعل “كيهان” وقلق المحافظين
أثار هذا القرار، الذي نال أغلبية الأصوات، استنكارًا حادًا من الجناح المقابل. ففي مقالها الصادر في 1 أكتوبر 2025، تساءلت صحيفة “كيهان” المقربة من المرشد: كيف يُقبل الانضمام إلى اتفاقية تُصنِّف قاسم سليماني كإرهابي، في وقت يصنِّف فيه الغرب قادة إيران علانية بالإرهاب؟ وهل يعني ذلك تقييد الساحة الداخلية ومنح الخصم أدوات جديدة؟ وذكرت الصحيفة أن شرط القبول المشروط وفق الدستور والقوانين الداخلية ليس ما تعترف به آليات دولية مثل (FATF)، وأن الاتفاقية لا تسمح بصيغ قبول مشروطة، مما يجعل القرار بمثابة قبول فعلي كامل حسب وصفها.
كما أعربت الصحيفة عن مخاوفها من تأثير التعاريف والإدراجات التي تقوم بها (FATF) على مصير الوكلاء والقوات المدعومة من إيران، مشيرة إلى أن تصنيف تنظيمات مثل حزب الله أو فيلق القدس أو أنصار الله أو فصائل عراقية قد يطرَح صعوبات جوهرية أمام المواقف الإيرانية.
الأصل العميق للأزمة
الجدل الجاري ما هو إلا انعكاس لصراع داخلي على مستوى السلطة، وضع النظام أمام مفترق طرق: إما القبول الكامل بمعايير (FATF) مع مخاطرة بتقليص الدعم للشبكات الحليفة، وإما التمسك بالرفض والابقاء على عزلة تضر بالاقتصاد الوطني.
خياران قاسيان
النظام الذي وصل إلى طريق مسدود يواجه خيارين صعبين: إما الانضمام إلى (FATF) مما قد يقلل الموارد المخصصة للوكلاء، أو متابعة المعارضة للمعايير الدولية وبالتالي الاستمرار في “فرض عقوبات على نفسه” مع تعاظم المخاطر الاقتصادية. وباختصار، تتحول المسألة إلى خيار بين ما يشبه “تسريع الانهيار” أو “استمراره تدريجيًا”.








