موقع المجلس:
في خطوة جديدة تعكس عمق التمييز الممنهج ضد الأقليات، أقدم النظام الإيراني على منع تسجيل آلاف الأطفال البلوش فاقدي الهوية في المدارس، في انتهاك صارخ لحقهم الإنساني الأساسي في التعليم. وتأتي هذه السياسة العقابية في أعقاب ما سمّته صحيفة «اعتماد» الحكومية بـ «حرب الاثني عشر يوماً» التي شهدتها البلاد في يونيو الماضي، لتكشف عن استخدام النظام التعليم كسلاح سياسي وأمني لمعاقبة الفئات المهمّشة بدل حمايتها.
اعتراف رسمي بالإجراء القمعي
في سابقة نادرة، أقرت صحيفة «اعتماد» في عددها الصادر بتاريخ 4 أكتوبر بهذه الممارسات، مؤكدة أن السلطات شددت الإجراءات الخاصة بتسجيل الأطفال فاقدي الهوية منذ بدء العام الدراسي، «بسبب الظروف الأمنية التي أعقبت حرب الاثني عشر يوماً».
ويُعد هذا الاعتراف بمثابة إقرار رسمي بأن حرمان الأطفال من التعليم هو إجراء عقابي مقصود، وليس نتيجة خلل إداري أو قانوني، بل سياسة ممنهجة تستهدف سكان المناطق الحدودية، وفي مقدمتهم البلوش الذين ينظر إليهم النظام بعين الشك والعداء.
مأساة إنسانية واسعة النطاق
ظاهرة انعدام الجنسية في إيران تتجاوز حدود محافظة سيستان وبلوشستان، لتشمل محافظات أخرى مثل خراسان، وكلستان، وكرمان، وأذربيجان الغربية.
وقد كشف مسعود رضائي، عضو اللجنة الاجتماعية في برلمان النظام، عام 2023 عن وجود نحو مليون شخص فاقد للهوية في إيران، بينهم أكثر من 400 ألف طفل، منهم 4500 طفل في محافظة سيستان وبلوشستان وحدها.
هؤلاء الأطفال يُحرمون من كل مقومات الحياة المدنية — لا تعليم، لا رعاية صحية، ولا حقوق قانونية — فيتحولون إلى مواطنين غير مرئيين في وطنهم، بلا هوية أو مستقبل، ضحايا لسياسة الإقصاء التي يتبعها النظام تجاه الأقليات.
سياسة تمييز ممنهجة ضد الأقليات
حرمان الأطفال البلوش من التعليم ليس قرارًا عرضيًا، بل حلقة في سلسلة طويلة من التمييز العرقي والطائفي الذي يمارسه النظام ضد الأقليات في إيران. فالنظام ينظر إلى هذه المجتمعات، خاصة في المناطق الفقيرة والحدودية، على أنها مناطق تهديد أمني ينبغي إخضاعها عبر التهميش المتعمد. ومن خلال حرمان الأجيال الجديدة من فرص التعليم، يسعى إلى إدامة دائرة الفقر والجهل وضمان بقاء هذه الفئات تحت السيطرة، بعيدة عن أي وعي أو مطالبة بالحقوق.
إن ما يجري في سيستان وبلوشستان ليس مجرد انتهاك إداري، بل جريمة إنسانية تمثل شكلاً من أشكال العقاب الجماعي الذي يستهدف هوية جماعة بأكملها. وهي سياسة لا تؤدي إلا إلى تعميق الإحساس بالظلم والغضب الشعبي، وتزيد من الفجوة بين النظام والمجتمع، مما يهدد بمفاقمة التوترات الاجتماعية والسياسية في البلاد.








