بتر الأصابع كأداة للسلطة ومواجهة غضب الشعب في ایران
موقع المجلس:
تنفيذ حكم بتر أصابع سجينين في سجن أصفهان المركزي يعيد إلى الأذهان حقب الظلام، وفي استعراض قاسٍ للسلطة، أعلنت السلطات القضائية الإيرانية يوم الثلاثاء، 10 يونيو 2025، هذا الإجراء، الذي تم بمصادقة من المحكمة العليا، جاء كعقوبة على تهمة “السرقة”. لم يتردد أسد الله جعفري، رئيس قضاة المحافظة، في وصف هذا العمل الهمجي بأنه “دليل على حزم النظام وقاطعيته” في وجه من أسماهم “مهددي الأمن المجتمعي”، وهو مصطلح فضفاض تستخدمه السلطات لتبرير أشد أشكال القمع.
التهم الموجهة للرجلين شملت “السرقات الحدية والتعزيرية، والتخريب، والإيذاء العمدي”، وقد تم تقديمهما لوسائل الإعلام على أنهما “سارقان محترفان” دون تقديم أي شفافية حول الإجراءات القانونية التي ضَمِنت لهما محاكمة عادلة، مما يفتح الباب واسعًا أمام الشكوك حول تعرضهما لانتزاع اعترافات تحت الضغط، وهو ما يُعتبر ممارسة شائعة في النظام القضائي الإيراني.
الجريمة المروّعة بقطع يدَي سجينَين في أصفهان تؤلم قلب كل إنسان وتحطّ من ضمير البشرية المعاصرة .يحاول خامنئي عبثًا من خلال هذه الجرائم الوحشية، التي تُكمّل وتيرة الإعدامات المتصاعدة، تأخير السقوط الحتمي لنظام ولاية الفقيه المتعفّن.
إنّ صمت المجتمع الدولي وتقاعسه أمام هذه الهمجية…— مریم رجوي (@Maryam_Rajavi_A) June 10, 2025
إدانة دولية واسعة: تعذيب ممنهج بختم القضاء
على الفور، أثار هذا الإجراء موجة تنديد دولية. منظمة العفو الدولية، في بيان شديد اللهجة، اعتبرت أن هذه العقوبة ليست مجرد ممارسة قاسية، بل هي “تعذيب تقره الدولة وانتهاك صارخ لأبسط معايير الكرامة الإنسانية”. وأكدت ديانا الطحاوي، نائبة مدير المكتب الإقليمي للمنظمة، أن “بتر الأطراف هو شكل من أشكال التعذيب الذي يحمل ختمًا قضائيًا، مما يجعل المسؤولين عنه مجرمين بموجب القانون الدولي ويستوجب محاسبتهم”. هذا الفعل يضع إيران في خرق مباشر لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من المواثيق الدولية التي تحظر العقوبات الجسدية.
بدورها، وصفت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية هذه الممارسات بأنها “عقوبات من القرون الوسطى”، مشددة على أنها لا تساهم في ردع الجريمة، بل تهدف إلى “بث الرعب في مجتمع يعاني أصلًا من الفقر والقمع”. وطالبت المنظمة المجتمع الدولي بتجاوز الإدانات اللفظية والتحرك بفعالية للضغط على طهران لوقف هذه الانتهاكات الممنهجة.
مفارقة العدالة: بتر أصابع الفقراء وحصانة حيتان الفساد
تتجلى المفارقة الأكثر إيلامًا عند مقارنة هذه الوحشية الموجهة ضد مواطنين عاديين، بالحصانة شبه الكاملة التي يتمتع بها كبار المسؤولين المتورطين في أكبر قضايا الفساد في تاريخ البلاد. ففي حين تُبتر أصابع من قد يسرق لتأمين قوت يومه، فإن “حيتان الفساد” ينهبون المليارات بأمان. الأمثلة لا حصر لها وتكشف عن نظام عدالة طبقي:
قضية بابك زنجاني: الذي يمثل رمزًا للفساد المرتبط بعائدات النفط، حيث اتُهم باختلاس أكثر من 2.7 مليار يورو، ولا تزال قضيته غامضة ومليئة بالتساؤلات حول المتورطين الحقيقيين.
ملف بنك سرماية وصندوق المعلمين: فضيحة اختلاس تجاوزت قيمتها 14 ألف مليار تومان، تورط فيها مسؤولون سياسيون وأمنيون رفيعو المستوى، وضاعت فيها مدخرات آلاف المعلمين.
فساد بلدية طهران: الذي كشف عن شبكات منظمة لنهب الممتلكات العامة وتوزيعها على المقربين بأسعار رمزية.
الاختلاسات البنكية المتكررة: التي أصبحت خبرًا شبه يومي، وأدت إلى تآكل الثقة بالنظام المصرفي وتبديد ثروات عامة هائلة.
هذه القضايا، التي تؤكدها التقارير السنوية لمنظمة الشفافية الدولية التي تضع إيران دائمًا في مراتب متدنية، لا تصل غالبًا إلى محاكمات جادة، وإن حدثت، تكون الأحكام صورية ومخففة.
العنف ليس قوة، بل هو أداة الضعيف للسيطرة
إن اللجوء إلى العقوبات الجسدية الاستعراضية ليس دليلًا على قوة النظام، بل على العكس، هو مؤشر على تآكل شرعيته وعجزه عن إدارة البلاد. فعندما يفشل النظام في توفير الأمن الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، فإنه يلجأ إلى “سياسة الخوف” كأداة للسيطرة. الهدف من بتر الأصابع في الساحات العامة هو إرسال رسالة ترهيب واضحة للمجتمع: “كلفة الاحتجاج أو الخروج عن الطاعة باهظة”. إنها محاولة يائسة لتحويل الغضب الشعبي المتصاعد بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، من “اللص الكبير” الذي ينهب ثروات البلد، إلى “اللص الصغير” الذي هو نفسه ضحية لتلك السياسات الفاشلة. بذلك، لا تكون هذه الأحكام الوحشية مجرد عقوبات، بل هي ركيزة أساسية يعتمد عليها نظام ولاية الفقيه لإدامة هيمنته عبر الخوف، في ظل انهيار اقتصادي وغضب شعبي متنامٍ.