استئجار سطوح المنازل للسکن في ایران
موقع المجلس:
اضحت القفزات الجنونية في أسعار المساكن في ایران حولت هذا الحلم المشروع إلى أزمة وطنية لا تضرب اقتصاد الأسر في الصميم فحسب، بل تهدد بزعزعة أسس المجتمع الإيراني بأكمله. حیث أصبح امتلاك منزل صغير في العاصمة الإيرانية طهران حلماً بعيد المنال، بل كابوساً يؤرق ملايين الإيرانيين.
تُظهر التقارير الرسمية أن متوسط سعر المتر المربع في طهران وصل إلى حوالي ١١٤ مليون تومان، مما يعني أن شراء شقة بمساحة ١٠٠ متر مربع يتطلب ما بين ١١ إلى ١٢ مليار تومان. وفي ظل هذه الأرقام الفلكية، كشفت دراسة حديثة أن الأسرة الإيرانية المتوسطة تحتاج إلى الانتظار لمدة ١٥٢ عاماً لتتمكن من شراء أول منزل لها.
قروض عاجزة أمام غول التكاليف
في ظل هذه الظروف، فقدت حتى القروض الحكومية المليارية جدواها. فقد صرح رئيس اتحاد مستشاري العقارات بأن قرضاً بقيمة مليار و٢٨٠ مليون تومان لا يكفي إلا لشراء ١١ متراً مربعاً في طهران. هذا الرقم لا يرمز فقط إلى انعدام الدعم الحقيقي للأسر، بل يرسم صورة مأساوية للفجوة الهائلة بين الدخول المحدودة والأسعار الوحشية لسوق الإسكان.
جذور الأزمة: “النهب الاقتصادي” للمؤسسات شبه الحكومية
لماذا وصل وضع السكن إلى هذه الدرجة الكارثية؟ تكمن الإجابة في غياب التخطيط الممنهج، و”الإدارة العشوائية” المزمنة، والنهب الاقتصادي الذي تمارسه الكيانات شبه الحكومية (المعروفة في إيران بـ “خصولتي”)، بالإضافة إلى التدخلات الحكومية المدمرة في السوق. ويؤكد الخبير الاقتصادي غلام رضا سلامي أن “الحكومة لم تفشل فقط في مجال إنتاج المساكن خلال السنوات الماضية، بل عرقلت أيضاً عمليات البناء بقراراتها الخاطئة”. بينما يصف الخبير الاقتصادي مسعود نيلي إدارة البلاد بأنها “عشوائية”، أي إدارة تعمل بلا رؤية أو مساءلة.
التداعيات الاجتماعية للكارثة الاقتصادية
إن تداعيات هذه الأزمة تتجاوز الاقتصاد لتهز نسيج المجتمع. فالارتفاع الجنوني في أسعار الإيجارات، وانخفاض معدلات الزواج، ونمو العشوائيات والمناطق المهمشة، والزيادة الهائلة في هجرة الشباب، وانتشار اليأس والإحباط، ليست سوى جزء من العواقب الاجتماعية الوخيمة. لقد تحول مثلث الحياة الأساسي، المتمثل في “العمل والغذاء والمأوى”، والذي يمثل حاجات منطقية وحيوية لأي إنسان، في ظل هيمنة الاقتصاد الحكومي المفترس، إلى أمنيات بعيدة المنال وباهظة التكلفة.
قد يبدو أن الحل يكمن في سياسات هيكلية مثل الإنتاج الواسع للمساكن وتخصيص الأراضي وتسهيل البناء، لكن جميع هذه الحلول كانت متاحة لـ ١٤ حكومة متعاقبة على مدى ٤٦ عاماً. والوضع الحالي هو نتاج مباشر لإدارة وسياسات هذه الحكومات التي لا تنظر إلى المنزل كمأوى وسكن، بل كأداة للاستثمار والمضاربة الحكومية. إن أزمة السكن في إيران، شأنها شأن جميع الأزمات الموازية لها، ليس لها سوى حل واحد، وهو طرد المحتل من “بيت إيران”، وإنهاء هذا النظام الذي هو أصل كل الأزمات.