قرار حكومي جديد لتعديل التوقيت المدرسي يثير سخطًا اجتماعيًا وتحذيرات من تأثيراته النفسية والجسدية على الأطفال
موقع المجلس:
بذريعة ترشيد استهلاك الطاقة في خطوة أثارت موجة واسعة من الغضب والجدل داخل الأوساط التعليمية والصحية والاجتماعية في إيران، فرض النظام الإيراني توقيتًا جديدًا لبدء الدوام المدرسي عند الساعة السادسة صباحًا،. القرار الذي اتخذ دون استشارة مجتمعية حقيقية، أو دراسة لتبعاته طويلة الأمد، أثار انتقادات حادة من العائلات والخبراء التربويين والأطباء المختصين بصحة الأطفال.
وصدر القرار لأول مرة في 7 مايو 2025 على لسان محمد رضا عارف، النائب الأول للرئيس، تلاه تعميم رسمي من وزارة الداخلية يقضي بتعديل دوام جميع الإدارات الحكومية والمؤسسات العامة والخاصة، بالإضافة إلى المصارف والبلديات، ليصبح من الساعة 6:00 صباحًا حتى 1:00 ظهرًا، مع إغلاق جميع الدوائر يوم الخميس من كل أسبوع.
مبررات حكومية ورفض شعبي واسع
وفقًا للبيانات الرسمية، فإن الهدف المعلن من القرار هو تقليل استهلاك الطاقة في ظل النقص الحاد بالكهرباء، وارتفاع درجات الحرارة، وتراجع منسوب الأمطار، وهي جميعها عوامل أثّرت سلبًا على إنتاج الكهرباء. غير أن منتقدي القرار يرون فيه استبدالًا سيئًا لسياسة “التوقيت الصيفي” التي أُلغيَت سابقًا لأسباب دينية، وتم استبدالها بإجراءات مفاجئة وغير مدروسة.
وبعد تزايد اعتراضات الأهالي على توقيت العمل الجديد وتأثيره على مواعيد إيصال أطفالهم إلى المدارس ورياض الأطفال، قررت الحكومة مطابقة توقيت المدارس مع مواعيد الدوام الجديد. حيث أصدر علي فرهادي، نائب وزير التربية والتعليم، تعميمًا بتاريخ 12 مايو، أعلن فيه أن جميع المدارس التي تعمل بدوام واحد ستبدأ من 6:00 إلى 13:00، أما المدارس ذات الدوامين فسيُقسّم دوامها بين 6:00 إلى 9:30 صباحًا و9:30 إلى 13:30 ظهرًا.
الأطباء يدقّون ناقوس الخطر
القرار المفاجئ فجّر انتقادات حادة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، خصوصًا من قبل الأطباء النفسيين وأطباء الأطفال الذين حذّروا من التأثيرات السلبية على النمو الذهني والسلوكي والجسدي للتلاميذ، نتيجة اضطراب ساعات النوم والاستيقاظ القسري في ساعات الفجر.
أحد أطباء الأطفال في طهران حذّر قائلًا:«الحرمان من النوم في سن المراهقة لا يؤثر فقط على التحصيل العلمي، بل يمتد إلى الصحة النفسية والجسدية على المدى الطويل».
كما أثار القرار ارتباكًا لوجستيًا داخل الأسر، خاصةً لدى من لديهم أطفال في الروضات التي كانت تبدأ دوامها عند الثامنة صباحًا. وبدلًا من التراجع عن قرار غير مدروس، اختارت الحكومة توسيع نطاقه ليشمل الأطفال أيضًا.
مفارقة عالمية: إيران تسير عكس الاتجاه
بينما تتجه الأنظمة التعليمية المتقدمة عالميًا إلى تأخير موعد بدء الدوام المدرسي احترامًا لإيقاع النوم البيولوجي لدى الأطفال، فإن إيران اختارت تعجيله دون اعتبار للتوصيات الطبية. ففي فنلندا، تبدأ المدارس عادة بين 8:30 و9:00 صباحًا، وفي فرنسا وألمانيا لا تبدأ قبل الثامنة صباحًا، أما بعض الولايات الأمريكية فقد أخّرت بدء الدوام للمرحلة الثانوية إلى ما بعد الثامنة صباحًا بناءً على توصيات علمية.
أزمة سياسية أكثر من كونها أزمة طاقة
ورغم أن السلطات الإيرانية تصر على أن القرار يأتي استجابة لأزمة الطاقة، يرى مراقبون أن ما يحدث هو إعادة إنتاج لسياسات فوقية دون مشاركة المجتمع أو خبرائه. كما عبّر فرهادي لاحقًا عن أمله أن تنتهي هذه الإجراءات مع حلول شهر أكتوبر، إذا ما “تعاون الشعب”، في إشارة إلى طابعها المؤقت، إلا أن التخوّف لا يزال قائمًا من أن يكون الأثر المدمّر على الصحة والتعليم أكثر ديمومة مما يُعتقد.