الحوار المتمدن-سامي خاطر:
سياق تاريخي معقد
تعود جذور التوتر النووي بين الولايات المتحدة وإيران إلى عقود؛ إلى حيث بدأ البرنامج النووي الإيراني في الخمسينيات بدعم أمريكي خلال حكم الشاه محمد رضا بهلوي، وقد قُطِعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قيام الثورة الوطنية الإيرانية عام 1979، وقد أصبح البرنامج النووي مصدرا للصراع خاصة مع اتهامات أمريكا بأن النظام الإيراني يسعى لامتلاك أسلحة نووية تحت غطاء برنامج مدني.
تشكل المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أكثر الملفات تعقيداً في السياسة الدولية المعاصرة، حيث تمتد جذور الخلاف بين البلدين إلى ما بعد الثورة الوطنية الإيرانية عام 1979، وفي السنوات الأخيرة شهد هذا الملف تطورات دراماتيكية خاصة مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025 وإعادة تفعيله لسياسة “الضغوط القصوى” ضد طهران، ويأتي هذا في وقت يواجه فيه نظام الملالي ضغوطاً متعددة الأوجه من عقوبات اقتصادية خانقة إلى تهديدات عسكرية مبطنة بينما يحاول الحفاظ على برنامجه النووي مع الادعاء بأنه لأغراض سلمية.
المشهد الحالي للمفاوضات بين التصعيد والتهدئة
رسائل ترامب الأخيرة وردود الفعل الإيرانية
في مارس 2025 بعث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برسالة إلى الولي الفقيه الإيراني علي خامنئي عبر الوسيط الإماراتي أنور قرقاش يدعوه فيها إلى التفاوض حول اتفاق نووي جديد مع تهديد ضمني باللجوء إلى الخيار العسكري في حال الرفض. هذه الرسالة التي تم تسريب بعض تفاصيلها إعلامياً تضمنت مطالب أمريكية واضحة من بينها تقليص البرنامج النووي الإيراني بشكل كبير، ووقف دعم المليشيات الإقليمية مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، وقد منح مهلة شهرين للرد.
اللافت في هذه الرسالة أنها جاءت بعد أيام من تصريحات خامنئي التي رفض فيها أي تفاوض مع واشنطن مما يشير إلى رغبة أمريكية في اختبار النوايا الإيرانية الحقيقية أو حتى إحراج القيادة في طهران، وقد ظهر التباين في المواقف الإيرانية جلياً حيث أعلنت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة في اليوم التالي لرفض خامنئي أنها “لا تستبعد التفاوض” خاصة إذا كان الهدف معالجة المخاوف الدولية حول الجانب العسكري المحتمل للبرنامج النووي.
الموقف الإيراني بين التصلب والمرونة الظاهرية
كشفت التصريحات الرسمية الإيرانية عن حالة من “التباين المدروس” في المواقف، وهي سمة تتسم بها السياسة الخارجية الإيرانية عادة: رفض خامنئي التفاوض تحت التهديد، ووصف الرسالة الأمريكية بأنها “غير حكيمة” مؤكداً أن إيران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، وأعلن بزشكيان أنه “لن ينحني إذلالاً” أمام الضغوط الأمريكية، وأكد وزير الخارجية عراقجي أن طهران تدرس الرسالة الأمريكية وسترد في الوقت المناسب.
هذا التباين يعكس بحسب المحللين استراتيجية إيرانية لاختبار نوايا الطرف الأمريكي وإبقاء خيارات متعددة مفتوحة، كما أن هناك انقساماً داخل النخبة في النظام الإيراني بين تيار يرى في التفاوض مع واشنطن مخاطرة لا تحتمل وآخر يرى أنه السبيل الوحيد لتخفيف الضغوط الاقتصادية الخانقة.
الضغوط المتعددة على إيران: نووية، اقتصادية، إقليمية
الضغوط الدولية عبر “آلية الزناد”
يواجه نظام الملالي في إيران ضغوطاً دولية متصاعدة عبر ما يعرف بـ”آلية الزناد” التي تسمح بإعادة فرض العقوبات الأممية السابقة تلقائياً بقرار من إحدى دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا) دون الحاجة إلى موافقة مجلس الأمن مما يجعل حق النقض (الفيتو) الروسي أو الصيني غير ذي تأثير، وتزداد خطورة هذا الخيار مع اقتراب موعد انتهاء صلاحية القرار الأممي 2231 الذي يمثل الإطار القانوني للاتفاق النووي في أكتوبر 2025.
التهديدات العسكرية المحتملة
تصاعدت في الآونة الأخيرة المؤشرات على أن الخيار العسكري أصبح مطروحاً بقوة حيث الهجمات الأمريكية على مواقع الحوثيين في اليمن في مارس 2025 والتي حملت رسائل تهديدية غير مباشرة لإيران، واستعدادات إسرائيلية واضحة لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية بما في ذلك تلقيها 100 قنبلة خارقة للتحصينات من نوع BLU-109 من الولايات المتحدة، ومناورات عسكرية إسرائيلية في جبل الشيخ السوري على عمليات الإسقاط الجوي والتي قد تكون نموذجاً مصغراً لهجمات محتملة على إيران.
الوساطات الخليجية
برزت الإمارات العربية المتحدة كلاعب جديد في مسار الوساطة بين واشنطن وطهران، حيث نقل مستشار الرئيس الإماراتي أنور قرقاش الرسالة الأمريكية الأخيرة إلى إيران. هذا الدور يأتي في إطار سياسة إماراتية تهدف إلى تحقيق توازن دقيق بين علاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن وعلاقاتها الاقتصادية مع طهران، وقد سبق لعمان وقطر أن لعبتا أدوارا وساطية مهمة في الماضي خاصة في الفترة التي سبقت توقيع الاتفاق النووي عام 2015.
السيناريوهات المستقبلية المحتملة
1. سيناريو التوصل لاتفاق جديد
رغم التشدد الظاهر في المواقف، فإن بعض العوامل قد تدفع نحو هذا السيناريو: الضغوط الاقتصادية على إيران التي تجعل التفاوض خياراً جاذباً لتخفيف العقوبات. ورغبة ترامب في تحقيق إنجاز دبلوماسي يُضاف إلى سجله قبل نهاية ولايته، وإمكانية التوصل لصيغة تفاوضية عبر وساطات إقليمية (إماراتية، عمانية) أو دولية (روسية، صينية)؛ لكن أي اتفاق جديد سيواجه عقبات كبرى أهمها: اشتراط ترامب أن يكون الاتفاق “شاملاً” ويغطي ليس فقط الملف النووي ولكن أيضاً البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي الإيراني ورفض إيران القاطع للتفاوض تحت التهديد أو تقديم تنازلات في مجالات تعتبرها حيوية لأمنها القومي.
2. سيناريو التصعيد العسكري
يزداد احتمال هذا السيناريو في حال استمرار إيران في تصعيد أنشطتها النووية (زيادة تخصيب اليورانيوم). ورفضها المطلق للعودة إلى طاولة المفاوضات، وتصاعد الهجمات التي تنفذها المليشيات المدعومة إيرانياً ضد المصالح الأمريكية في المنطقة، ويحمل مخاطر جسيمة وهي احتمال تحوله إلى حرب إقليمية واسعة، وتأثيره السلبي على الاقتصاد العالمي وخاصة أسواق النفط، والمخاوف من دفع إيران نحو قرار تصنيع السلاح النووي فعلياً.
3. سيناريو الجمود والاستمرار في سياسة “المناورة”
قد تختار إيران الاستمرار في سياسة المناورة والمراوغة: مواصلة التعاون المحدود مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والحفاظ على مستوى من التخصيب النووي دون تجاوز “الخطوط الحمراء” التي قد تدفع لضربة عسكرية، واستخدام سياسة “فرق تسد” بين القوى الكبرى (أمريكا، أوروبا، روسيا، الصين). لكن هذا السيناريو قد يُصبح صعباً مع اقتراب موعد انتهاء القرار الأممي 2231 في أكتوبر 2025، وتصاعد الضغوط الاقتصادية الداخلية مع تشدد الإدارة الأمريكية في سياسة “الضغوط القصوى”.
هل سيحصد ملالي إيران ثمار ما أحدثوه في غزة ولبنان؟
تهدف السياسات المتبعة من قبل نظام الملالي في المنطقة بما في ذلك دعمه لجماعات في غزة ولبنان واليمن والعراق إلى تعزيز نفوذه وحماية مصالحه الاستراتيجية، ومع ذلك فإن العواقب الطويلة الأجل لهذه السياسات تعتمد على العديد من العوامل المتغيرة بما في ذلك ردود الفعل الدولية والتطورات الداخلية في إيران والدول المجاورة، ومن وجهة نظر ملالي إيراني تعتبر هذه الخطوات استثمارًا في القوة الناعمة والمكانة الإقليمية؛ لكن النتائج النهائية قد تكون غير مضمونة وتخضع لتقلبات السياسة الدولية.