صورة للاحتجاجات في ایران -آرشیف
ایلاف – ضياء قدور:
في خطابه بمناسبة عيد الفطر، حاول علي خامنئي، زعيم النظام الإيراني، إظهار القوة والصلابة في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية على حد سواء. فقد قال: “احتمال كبير لا نعطيه أن يحدث شر من الخارج، لكن إذا وقع شر فسيواجهون ضربة قوية بالتأكيد”. كما وجه تهديدات مباشرة لإسرائيل مضيفاً: “يجب أن يُقتلع الكيان الصهيوني الغاصب من فلسطين“. لكنه سرعان ما كشف عن قلقه الحقيقي حين قال: “إذا كانوا يفكرون في إثارة فتنة (انتفاضة) داخل البلاد كما فعلوا في بعض السنوات السابقة، فسيتلقون الجواب من الشعب الإيراني نفسه”، في إشارة واضحة إلى أن النظام سيواجه أي تحرك شعبي بالقمع كما في السابق.
هذا الخطاب جاء في وقت يبدو فيه التناقض واضحاً بين ما يصرح به خامنئي وما تقوم به حكومته فعلياً. فبينما يرفع شعارات التحدي والرفض العلني للتفاوض، أكد المتحدث باسم الحكومة وعباس عراقجي، رداً على رسالة الرئيس أميركا دونالد ترامب، أن إيران مستعدة للتفاوض غير المباشر وتسعى لحل القضايا عبر الدبلوماسية، مشيرين إلى أن هذا العمل جارٍ حالياً. كما نقل مسعود بزشكيان عن خامنئي قوله إن “التفاوض غير المباشر يمكن أن يستمر”، مؤكداً أن النظام لا يتهرب منه. وفي الواقع، تجري فرق التفاوض الإيرانية محادثات عبر الإمارات بتوجيهات مباشرة من خامنئي نفسه، مما يكشف عن ازدواجية واضحة بين الخطاب العلني والممارسة الفعلية.
يبدو أن هدف خامنئي من هذا الخطاب المزدوج هو الحفاظ على تماسك قواته الداخلية المتآكلة ومنع تفكك وكلائه في المنطقة. لكنه يواجه معضلة حقيقية: لا يستطيع التنازل عما طالبه ترامب في رسالته، والتي كشف عنها سفير النظام في العراق، آل صادق. فقد تضمنت الرسالة أربعة ملفات رئيسية: جماعات المقاومة، الحشد الشعبي، الصواريخ الباليستية، والبرنامج النووي، مع مطالبة بإغلاقها كلها. قبول هذه الشروط يعني بالنسبة لخامنئي ؛انتحاراً خوفاً من الموت”، لأنه سيفقد هيمنته ويفتح الباب أمام انهيار نظامه. لكنه لا يرفض التفاوض كلياً، بل يبحث عن صيغة «رابح-رابح» تحفظ له سلطته وتبعد شبح الانتفاضة والسقوط، وهي صيغة غير متوفرة في الوقت الحالي.
في ظل هذا الواقع، يستعد خامنئي لتحمل ثمن رفضه التفاوض بشروط ترامب، حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة تهديدات عسكرية أو قصف محتمل. لكنه يدرك جيداً أن هذا الموقف قد يشعل فتيل انفجار اجتماعي داخلي، إذ يمثل الشعب الإيراني، بغضبه المتراكم، برميل باروت جاهزاً للانفجار. من هنا، يتضح أن تركيز خامنئي في خطابه لم يكن موجهاً للرد على ترامب بقدر ما كان رسالة للداخل، محذراً من تكرار الانتفاضات ومؤكداً استعداده لقمعها كما في السابق.
ورغم محاولته إثارة الرعب بين الشعب عبر استعراض القوة والتهديد بالقمع، فإن خامنئي يعلم أن أي انتفاضة قادمة لن تكون كسابقاتها. فالشعب الإيراني، بدعم من المقاومة المنظمة، أظهر في السنوات الأخيرة عزماً لا يلين، وكل المؤشرات تشير إلى أن أي تحرك شعبي جديد لن ينتهي بالقمع، بل قد يكون بداية النهاية لنظام الملالي. هذا الخوف العميق من الداخل، وليس من التهديدات الخارجية، هو ما يكشفه خطاب خامنئي في عيد الفطر، وهو ما يجعل خطابه أقرب إلى محاولة يائسة لإخفاء ضعفه بدلاً من إظهار قوته.