موقع المجلس:
سلّط تقرير حديث نشرته صحيفة إل باييس الإسبانية الضوء على استخدام النظام الایراني الممنهج لسياسة احتجاز الرهائن كوسيلة للضغط على الدول الأوروبية. وأوضح التقرير أن طهران تستغل اعتقال المواطنين الأوروبيين للمساومة على إطلاق سراح معتقلين إيرانيين في أوروبا والإفراج عن أصولها المجمدة. وأشار إلى أن الإفراج عن الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا، في حين لا يزال المواطنون الفرنسيون محتجزين في إيران، كان خطوة محسوبة تهدف إلى إحداث انقسام بين الدول الأوروبية.
وأكد تقرير إل باييس أن النظام الإيراني يتخذ المواطنين الأوروبيين رهائن للضغط على الدبلوماسيين، خاصة في سياق المفاوضات النووية. ويعتقد كليمان تيرميه، الخبير في دبلوماسية الرهائن الإيرانية بمعهد العلاقات الدولية الفرنسي (IFRI)، أن إطلاق سراح سالا، في مقابل استمرار احتجاز الفرنسيين، هو جزء من استراتيجية إيرانية متعمدة لإحداث خلافات بين الدول الأوروبية.
وأُفرج عن تشيتشيليا سالا في 8 يناير 2024 بعد اعتقالها لمدة 20 يومًا، وبعد أربعة أيام فقط أصدر وزير العدل الإيطالي كارلو نورديو قرارًا بالإفراج الفوري عن المعتقل الإيراني محمد عابديني نجفآبادي في إيطاليا. هذا التزامن في الأحداث يشير إلى وجود صفقة بين روما وطهران.
وقبل يومين من إطلاق سراح سالا، كشفت صحيفة إل جورنانلي، المقربة من الحكومة الإيطالية، أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني حصلت على موافقة دونالد ترامب خلال لقاء في 4 يناير 2024 لتعليق عملية تسليم عابديني إلى الولايات المتحدة. ويرى محللون أن هذه الخطوة الإيرانية لم تكن مجرد مكافأة لإيطاليا، بل جاءت أيضًا كجزء من استعدادات طهران لمفاوضات نووية جديدة مع الدول الأوروبية في جنيف.
وبعد خمسة أيام من الإفراج عن سالا، تم إطلاق سراح ناهيد تقوي، وهي مواطنة ألمانية-إيرانية، بعد أن قضت أربع سنوات في سجون النظام الإيراني، وعادت إلى ألمانيا. ومع ذلك، لا يزال كل من سيسيل كوهلر، وهي معلمة فرنسية، وشريكها جاك باريس، والرحّال الفرنسي أوليفييه غروندو البالغ من العمر 34 عامًا، محتجزين في إيران.
وربط الباحث الفرنسي ديفيد ريغولت روز، المتخصص في الشأن الإيراني، رفض إيران إطلاق سراح المواطنين الفرنسيين بغضب طهران من تهديد فرنسا بتفعيل “آلية الزناد” لإعادة فرض العقوبات الدولية.
في 6 يناير 2024 ، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى حوار استراتيجي بين الدول الأوروبية ودونالد ترامب بشأن إيران، وأشار إلى إمكانية اتخاذ قرار بتفعيل آلية الزناد، ما قد يؤدي إلى إعادة فرض العقوبات الأممية على طهران.
وذكرت إل باييس أن إيران تستخدم سياسة احتجاز الرهائن أيضاً كورقة ضغط للإفراج عن إيرانيين محتجزين في أوروبا بسبب تورطهم في أنشطة إرهابية. وعلى سبيل المثال، في يونيو 2023 تم إطلاق سراح أسد الله أسدي، الدبلوماسي الإيراني المدان بمحاولة تفجير تجمع لمنظمة مجاهدي خلق الإیرانية في فرنسا، بعد أن حُكم عليه بالسجن 20 عامًا. وفي المقابل، أطلقت إيران سراح أوليفييه فانديكاستيل، وهو عامل إغاثة بلجيكي، إضافة إلى كامران قادري ومسعود مصاحب، وهما مواطنان نمساويان من أصل إيراني.
وإلى جانب المقايضات السياسية، یسعى النظام الإيراني من خلال سياسة احتجاز الرهائن إلى الإفراج عن أصوله المالية المجمدة في الخارج.
في عام 2015، وعقب صفقة تبادل سجناء بين إيران والولايات المتحدة بالتزامن مع توقيع الاتفاق النووي (JCPOA)، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن واشنطن أرسلت إلى طهران 1.7 مليار دولار نقدًا على متن طائرتين. وانتقد معارضو الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما هذه الخطوة، معتبرين أنها “دفع فدية” للنظام الإيراني.
أما وزير الخارجية الأميركي الأسبق مايك بومبيو، فقد حذّر من أن “دولًا معادية مثل كوريا الشمالية وروسيا ستعتبر منح إيران مليارات الدولارات مقابل إطلاق سراح الرهائن بمثابة تحديد لسعر السوق لعمليات الاختطاف”.
في المقابل، احتفى المسؤولون الإيرانيون بهذه الصفقة. وصرّح وزير المخابرات في حكومة حسن روحاني، محمود علوي، بأن القرار جاء بناءً على توجيهات الولي الفقیة علي خامنئي، وأن 400 مليون دولار، إلى جانب 1.31 مليار دولار من الأرباح، قد استُعيدت لصالح إيران.
وفي عام 2015، أدلى محسن رضائي، القائد السابق لحرس النظام الایراني، بتصريح قال فيه: “إذا اندلعت حرب بين إيران وأميركا، فسنأسر ألف جندي أميركي في الأسبوع الأول، وسنطالب بعدة مليارات من الدولارات مقابل كل واحد منهم، مما قد يحل مشاكلنا الاقتصادية”.
وحددت مؤسسة ستيمسون الأميركية عام 2014 كنقطة تحول حاسمة في استراتيجية إيران لاستخدام الرهائن كأداة للسياسة الخارجية، خصوصًا في المفاوضات النووية. وكان اعتقال الصحفي الإيراني-الأميركي جيسون رضائيان مثالًا بارزًا على هذا التحول.
ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018، تصاعدت عمليات احتجاز المواطنين الأوروبيين داخل إيران، حيث باتت هذه السياسة أداة تفاوض رئيسية في يد النظام الإيراني.
وفي 25 يناير 2024 ، أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا يدين بشدة دبلوماسية الرهائن التي يمارسها النظام الإيراني، داعيًا إلى الإفراج الفوري عن جميع المواطنين الأوروبيين المحتجزين في إيران.
وأصبحت سياسة احتجاز الرهائن إحدى الأدوات الرئيسية للدبلوماسية الإيرانية، حيث يتم توظيفها لتحقيق مكاسب سياسية ومالية. ومن خلال الاعتقال الانتقائي وإطلاق سراح الرهائن بناءً على حسابات سياسية، تسعى طهران إلى تقسيم الأوروبيين، والمقايضة على الإرهابيين المدانين، واستعادة أصولها المجمدة.
ومع تصاعد التوتر بين طهران والعواصم الأوروبية، يبقى مصير السجناء الأوروبيين في إيران رهينة لمتغيرات السياسة الدولية والتطورات الجيوسياسية في الأشهر المقبلة.