موقع المجلس:
خلال مناقشة في برلمان الملالي سابقاً، أعلن الناطق الرسمي باسم لجنة الصحة، اسحاقي، عن زيادة في تكاليف شراء الأدوية للمرضى بنسبة تزيد عن 110%.
کما بات الحصول على الأدوية الأساسية تحديًا متزايدًا لملايين الإيرانيين، حيث تواجه البلاد أزمة دوائية خانقة تتمثل في ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق ونقص حاد في الأدوية، مما يضع عبئًا لا يُحتمل على المرضى وأسرهم.
ومن أكثر الجوانب إثارة للقلق في هذه الأزمة هو ارتفاع تكلفة الأدوية. وفقًا لـ هادي أحمدي، عضو مجلس إدارة جمعية الصيادلة الإيرانيين، فإن الارتفاع الكبير في أسعار الأدوية ترك الكثيرين في حالة صدمة. وفي مقابلة مع وكالة إيرنا، كشف أن من بين كل عشرة أشخاص يزورون الصيدليات، لا يستطيع سوى سبعة شراء أدويتهم الموصوفة طبيًا. وتساءل قائلاً: “لماذا يُجبر الناس على التخلي عن الأدوية الأساسية لمجرد أنهم لا يستطيعون تحمل تكلفتها؟”
ويؤكد الخبراء أن التقلبات في سعر صرف العملة والتكاليف الباهظة لاستيراد المواد الخام من العوامل الرئيسية التي تغذي هذه الأزمة. فالتراجع الحاد في قيمة الريال الإيراني يضع مزيدًا من الضغوط على قطاع صناعة الأدوية، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار أكثر.
ووفقًا لتقارير البنك المركزي الإيراني، تم تخصيص ما يقرب من 3 مليارات دولار هذا العام لاستيراد الأدوية والمنتجات الصحية، حيث تم توفير 70% من هذا المبلغ بسعر الصرف التفضيلي البالغ 28,500 تومان لكل دولار أمريكي. ومع ذلك، تُظهر بيانات غرفة التجارة الإيرانية أن ما تم استيراده فعليًا لا يتجاوز مليار دولار فقط، وهو ما يثير تساؤلات حول غياب الشفافية في إدارة هذه الأموال.
لطالما ألقت سلطات النظام الإيراني باللوم على العقوبات الغربية في أزمة الأدوية، لكن الإحصائيات التجارية تكشف أن إيران لا تزال تستورد الأدوية من عدة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة وسويسرا وفرنسا وبريطانيا وكوريا الجنوبية واليابان وأوكرانيا. ومع ذلك، تبقى الأسعار في تصاعد مستمر، والأدوية شحيحة.
ويعتقد خبراء القطاع أن هذه الزيادات في الأسعار فاقت التوقعات الأولية بكثير. حيث أشار شهرام غفاري، نائب مدير الشؤون الطبية في منظمة الضمان الاجتماعي، إلى أن “هيئة الغذاء والدواء هي المسؤولة عن تسعير الأدوية، وينبغي ألا تتجاوز الزيادة في الأسعار 20%، لكن الواقع يظهر أنها أعلى بكثير من ذلك.”
وكشف علي فاطمي، نائب رئيس جمعية الصيادلة الإيرانيين، عن مشكلة أخرى خطيرة وهي العبء غير المتناسب الذي يتحمله المرضى. ففي العام الماضي، بلغ إجمالي مبيعات الأدوية في إيران 35 إلى 40 تريليون تومان، بينما لم تغطِّ شركات التأمين سوى 12-13% فقط من هذه النفقات، مما جعل معظم التكاليف تقع على عاتق المواطنين.
وتواجه شركات التأمين أزمات مالية خانقة نتيجة الديون الحكومية الضخمة والفجوة المتزايدة بين ارتفاع التكاليف وثبات الإيرادات. وأوضح الرئيس التنفيذي لمنظمة التأمين الصحي أن التمويل المخصص للرعاية الصحية زاد بنسبة 36%، لكن تكاليف الخدمات الطبية قفزت بأكثر من 60%.
ودقّت جمعية الصيادلة الإيرانيين ناقوس الخطر، ووجّهت رسالة مفتوحة إلى الحكومة تحثها على توفير التمويل اللازم لمنع انهيار قطاع الأدوية. ويحذر الخبراء من أن عدم اتخاذ إجراءات عاجلة سيؤدي إلى تفاقم الوضع بشكل كارثي.
وأكد عليرضا أزاني، وهو صيدلي إيراني، أن المصانع الدوائية تعمل حاليًا بطاقة لا تتجاوز 30-40%. وأضاف أن التأخير في سداد المدفوعات، الذي يتجاوز أحيانًا 400 يوم، إلى جانب نقص السيولة الحاد، شلّا قطاعي الإنتاج والتوزيع بشكل كامل.
وإلى جانب سوء الإدارة الاقتصادية، فاقم الفساد المستشري الأزمة الدوائية. واعترف رئيس النظام الإيراني مسعود بزشكيان صراحةً بأن “التجربة أثبتت أن جزءًا من العملة الأجنبية المخصصة لاستيراد الأدوية يختفي”. هذا التصريح يعكس الفساد العميق داخل النظام، حيث يتم نهب الأموال المخصصة للاستيراد وتحويلها إلى جيوب الشبكات النافذة.
وتتهم تقارير مستقلة قيام عصاباعات مافياوية داخل الحكومة بالتلاعب في مخصصات العملة الأجنبية، وتهريب الأدوية إلى السوق السوداء، حيث يتم بيعها بأسعار باهظة. وقد أدى هذا الاتجار غير المشروع إلى ارتفاع تكلفة الأدوية بشكل كبير، وحرمان آلاف المرضى من العلاجات المنقذة للحياة.
مع الارتفاع الجنوني في أسعار الأدوية، وشحّ السيولة، وعجز شركات التأمين عن الوفاء بالتزاماتها، بات النظام الصحي الإيراني على شفا الانهيار. ولم يعد الحصول على الأدوية الضرورية حقًا مضمونًا، بل أصبح امتيازًا لمن يستطيع دفع الثمن. ومع تفاقم الأوضاع، تواجه حياة آلاف المرضى خطرًا حقيقيًا، دون أي حلول تلوح في الأفق.