بقلم – موسى أفشار:
مرة أخرى، يُعاد طرح قضية رفع أسعار البنزين في ظل نظام إيران الفاسد والقائم على المحسوبيات، لتكشف عن أوجه القصور في إدارة الحكومة اقتصاديًا وسياسيًا. هذا القرار، الذي يُقدّم بخداع تحت عنوان “الإصلاحات الاقتصادية”، يعكس أزمات هيكلية عميقة تضرب الاقتصاد الإيراني.
وترافق الحديث عن زيادة أسعار البنزين مع تناقضات في التصريحات الرسمية. بعد جدل طويل، أعلنت فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم حكومة مسعود بزشكيان، مؤخرًا: “لدينا استراتيجيتان لمعالجة خلل البنزين: الاستيراد وزيادة الأسعار. من المؤكد أن رفع أسعار البنزين ليس ضمن جدول أعمال الحكومة.” (موقع عصر خودرو، 10 ديسمبر 2024).
احتجاجات في ایران في عام 2019
لكن التجارب السابقة تشير إلى عكس ذلك. فالتراجع التكتيكي والإنكار غالبًا ما سبق خطوات مماثلة. على سبيل المثال، في 6 ديسمبر 2024، أشار بزشكيان إلى الحاجة لرفع أسعار البنزين، مبررًا أن الحكومة لا يمكنها شراء الوقود بسعر السوق وبيعه بسعر مدعوم. في الوقت نفسه، بينما تُخصّص الميزانيات الضخمة لتطوير الصواريخ وتمويل الحروب الإقليمية، تدعي الحكومة أنها لا تملك الأموال لتلبية احتياجات أساسية مثل الأدوية والمعاشات.
وفي مقابلة أخرى بتاريخ 3 ديسمبر 2024، قال بزشكيان: “لا نملك المال لشراء القمح أو الأدوية أو دفع معاشات المتقاعدين”. يرى المراقبون أن هذه التصريحات تمهد الطريق لاستخدام الموارد العامة، مثل دعم الوقود، لتعويض العجز في الميزانية.
تعود الزيادة المحتملة في أسعار البنزين إلى عدة عوامل مترابطة:
1. الاختلالات الاقتصادية
اعترف النظام بوجود اختلالات منهجية في قطاعات حيوية مثل الطاقة والمياه والكهرباء والتمويل. هذه المشاكل، الناتجة عن الفساد وغياب التخطيط الاستباقي، بلغت مستويات خطيرة. وصرّح بزشكيان: “نواجه اختلالات خطيرة في الغاز والكهرباء والطاقة والمياه والبيئة. إذا لم نعالجها، سنصل إلى نقطة اللاعودة.” (مقابلة مع التلفزيون الحكومي، 3 ديسمبر 2024).
2. سوء إدارة الموارد المالية
أعلن البرلمان للنظام الإيراني أن ميزانية 2025 لن تتضمن تخصيصات لاستيراد البنزين، مما يثير تساؤلات حول أولويات الإنفاق. وصرح الخبير الاقتصادي محمود جامساز: “التحديات الاقتصادية ناجمة عن اختلالات في الميزانية بسبب إنفاق غير ضروري على مؤسسات دينية ودعائية لا تسهم في الناتج المحلي الإجمالي.” (موقع آرمان ملي، 4 ديسمبر 2024).
3. إلغاء دعم الطاقة تدريجيًا
يشكل دعم الطاقة، وخاصة البنزين، جزءًا كبيرًا من الإنفاق العام. وتأمل الحكومة في توفير موارد مالية لتعويض العجز عبر إلغاء الدعم. ومع ذلك، يهدد هذا القرار الطبقات الفقيرة، التي ستتحمل العبء الأكبر.
4. تهريب الوقود ودور الفساد الحكومي
تُعتبر أسعار البنزين المنخفضة عامل جذب لتهريبه إلى الدول المجاورة. وبينما تبرر الحكومة رفع الأسعار بهذه الظاهرة، يشير الخبراء إلى أن مصدر التهريب الحقيقي هو المافيا المرتبطة بالنظام وفساده المنهجي.
ويعتاد قادة النظام الإيراني، وعلى رأسهم خامنئي، على تحميل أزماتهم الاقتصادية للضغوط الخارجية، بينما يتجاهلون الفساد وسوء الإدارة. وعلى سبيل المثال، أقر بزشكيان بمعدل تضخم “كارثي” بنسبة 40% خلال السنوات الخمس الماضية، لكنه ألقى باللوم على العوامل الخارجية، وهو خطاب لا يُقدم حلاً للمعاناة اليومية للمواطنين.
وفي ظل تراجع الإيرادات، یرى النظام الإيراني أن رفع أسعار الوقود هو الحل الأسرع لسد العجز المتزايد في الميزانية. وتشير التقديرات إلى أن عجز ميزانية 2025 يتراوح بين 850 تريليون و1.8 كوادريليون تومان، نتيجة لانخفاض عائدات النفط والعقوبات وسوء الإدارة الاقتصادية.
يركز النظام على هدفين رئيسيين من رفع الأسعار:
1. تحقيق إيرادات مباشرة من بيع البنزين بأسعار مرتفعة محليًا.
2. خفض الاستهلاك الداخلي وزيادة الصادرات، خاصة إلى الصين، التي تشتري النفط الإيراني عبر ترتيبات مبادلة.
لعب بالنار
على الرغم من أن رفع أسعار البنزين قد يوفر إيرادات فورية، إلا أن عواقبه الاجتماعية والاقتصادية ستكون وخيمة:
– ارتفاع التضخم: يؤدي ارتفاع أسعار الوقود إلى زيادة تكاليف النقل والإنتاج، مما يعزز موجة جديدة من التضخم.
– تآكل القوة الشرائية: ستتضرر الطبقات الفقيرة بشدة، مما يفاقم الفجوة الاجتماعية.
– احتجاجات اجتماعية: رفع أسعار البنزين قد يشعل احتجاجات واسعة، كما حدث في انتفاضة نوفمبر 2019 التي هزّت أركان النظام.
إذا قررالنظام المضي قدمًا في هذا القرار المثير للجدل، فإنها تخاطر بإثارة موجة جديدة من الغضب الشعبي. المواطنون الإيرانيون، الذين يعانون من التضخم والفقر، يرون في هذه السياسات استغلالاً جديدًا لمواردهم المحدودة.
ختامًا، يُظهر اعتماد النظام على جيوب الشعب لتمويل مشاريعه العسكرية وقمعه الداخلي مدى هشاشة وضعه. ويبقى السؤال: هل النظام مستعد لمواجهة انفجار شعبي آخر؟