موقع المجلس:
اضحی التلوث الهوائي في إيران إلى أزمة بيئية واقتصادية واجتماعية خطيرة، حيث يؤدي إلى وفاة وإصابة الآلاف سنويًا. ومع تفاقم هذه الأزمة، تم إغلاق المدارس، وإلغاء الأحداث الرياضية، والعودة إلى استخدام وقود ملوث مثل المازوت.
وأفاد تقرير حديث لموقع تابناك الحكومي في 12 ديسمبر، أن “المُلوّث الرئيسي في طهران خلال هذه الأيام هو الجسيمات الدقيقة (PM2.5). هذه الجسيمات، التي تُطلق بشكل أساسي من المصادر المتحركة، كانت الملوث الرئيسي في هواء طهران خلال الفصول الباردة لسنوات. ووفقًا لقائمة انبعاثات تلوث هواء طهران، تُساهم المصادر المتحركة بنسبة 68% من التلوث الناجم عن الجسيمات الدقيقة (الجسيمات الأقل من 10 ميكرون والجسيمات الأقل من 2.5 ميكرون).”
في 13 ديسمبر، أوضحت صحيفة تجارت نيوز أن “مؤشر جودة الهواء في طهران من مصادر متعددة حتى الساعة 12 ظهرًا يوم الجمعة 13 ديسمبر، بلغ 269 بحسب مايكروسوفت، و196 بحسب IqAir، و195 بحسب Waqi، و147 وفقًا لبلدية طهران”. وأضاف التقرير أن الأنظمة المحلية تقلل من الأرقام الحقيقية.
تلوث هوائي: “موت صامت
وصل التلوث الهوائي في العديد من المدن الإيرانية إلى مستويات خطرة، خاصة خلال الفصول الباردة، حيث تنخفض جودة الهواء إلى مستويات تشكل خطرًا على السكان. ويؤدي التعرض الطويل لهذه الملوثات إلى زيادة خطر الوفاة المبكرة. وقد صُنفت الجسيمات الدقيقة (PM2.5) على أنها مواد مسرطنة منذ عام 2013، وفقًا لما ذكره محمد صادق حسنوند، رئيس مركز أبحاث تلوث الهواء بجامعة العلوم الطبية في طهران، في مقابلة مع صحيفة “ستاره صبح” في 25 نوفمبر 2024.
وتُعد طهران واحدة من أكثر المدن تلوثًا في العالم، حيث يُفقد أكثر من 4000 شخص سنويًا حياتهم بسبب التلوث الهوائي. ويتأثر الأطفال وكبار السن والمرضى بأمراض القلب والجهاز التنفسي والنساء الحوامل بشكل أكبر بهذا التلوث. كما يؤدي التلوث إلى تفاقم أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وسرطان الرئة، والاضطرابات العصبية.
وبالإضافة إلى ذلك، تسبب التلوث الهوائي المتزايد في إيران في زيادة المشكلات النفسية بين المواطنين، مثل القلق والاكتئاب والتوتر النفسي الناتج عن القلق المستمر بشأن جودة الهواء. وقد أطلق على هذه الأزمة بشكل ملائم وصف “الموت الصامت”، حيث لا يقتصر تأثيرها على الأرواح فحسب، بل تمتد لتؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية.
واعترفت وسائل الإعلام الحكومية بأن “حوالي 50,000 إيراني ماتوا العام الماضي بسبب التلوث الهوائي. وإذا أضفنا هذا العدد إلى 20,000 حالة وفاة ناتجة عن حوادث المرور، يصبح الإجمالي 70,000 حالة وفاة”، وفقًا لصحيفة “ستاره صبح” في 25 نوفمبر 2024. وحددت هذه الوسائل التلوث الهوائي كثاني سبب رئيسي للوفيات في إيران.
أزمة مزمنة نتيجة سوء الإدارة
لا يُعد التلوث الهوائي في إيران مجرد قضية بيئية؛ بل تحول إلى أزمة مزمنة ناتجة عن أوجه القصور النظامية. وقد أدى سوء الإدارة من قبل النظام الحاكم إلى تفاقم المشكلة. وفيما يلي ثلاثة عوامل رئيسية تُسهم بشكل كبير في تفاقم هذه الأزمة:
1. الصناعات والمركبات الملوثة
تساهم الاحتكارات الحكومية في قطاعي السيارات والصناعات بشكل كبير في التلوث الهوائي. حيث تتجاهل هذه الصناعات المعايير البيئية بشكل متكرر، مما يؤدي إلى إنتاج مركبات قديمة واستخدام وقود منخفض الجودة. ونتيجة لذلك، تُطلق كميات كبيرة من الغازات السامة وثاني أكسيد الكربون والجسيمات الدقيقة إلى الغلاف الجوي يوميًا.
ووفقًا لما ذكرته شينا أنصاري، رئيسة منظمة حماية البيئة، فإن “عدم التوازن في إنتاج البنزين هو أحد التحديات التي تواجه البلاد، مما يؤدي إلى إنتاج وقود لا يفي في بعض الأحيان بالمعايير اللازمة، وهو ما يُساهم في زيادة الملوثات” (تابناك، 12 ديسمبر 2024).
2. سياسات النقل العام غير الفعّالة
تُفاقم البنية التحتية غير الكافية للنقل العام أزمة التلوث الهوائي في إيران. فمع النمو السريع للسكان والتوسع الحضري، لم تستطع أنظمة النقل العام في مدن مثل طهران وأصفهان تلبية احتياجات السكان. ويؤدي نقص الموارد والبنية التحتية القديمة إلى دفع المزيد من الناس للاعتماد على المركبات الخاصة، مما يزيد من استهلاك الوقود والانبعاثات.
3. الاعتماد على الوقود الأحفوري
بدلاً من التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، لا تزال إيران تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري. تُنتج محطات الطاقة الحرارية، التي تعتمد بشكل رئيسي على الغاز، أكثر من 90% من كهرباء البلاد، وفقًا لمصطفى رجبی مشهدی، المتحدث باسم صناعة الكهرباء (المصدر: برنا نيوز، 11 ديسمبر 2024). وخلال الأشهر الباردة، يرتفع استهلاك الغاز المنزلي، مما يدفع محطات الطاقة إلى استخدام الوقود السائل، خاصة الديزل. ورغم التحذيرات البيئية والقوانين التي تحظر ذلك، لا تزال محطات طاقة رئيسية مثل شازند في أراك، ومنتظر قائم في البرز، ومنتظري في أصفهان، تحرق المازوت، وهو وقود ملوث للغاية.
سُبل مواجهة التلوث الهوائي
يتطلب التصدي لأزمة التلوث الهوائي في إيران اتخاذ تدابير شاملة وعاجلة. وتشمل الأولويات ما يلي:
1. الاستثمار في الطاقة المتجددة: التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الحرارية الأرضية يمكن أن يقلل بشكل كبير من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
2. تطوير البنية التحتية للنقل: تطوير أنظمة النقل العام وتشجيع استخدامها يمكن أن يقلل من الاعتماد على المركبات الشخصية.
3. تطبيق القوانين البيئية: تطبيق صارم للقوانين البيئية وآليات رقابية مستقلة.
4. تعزيز الشفافية: تخصيص الميزانيات بشفافية وإعطاء الأولوية للصحة العامة يمكن أن يبني الثقة ويضمن استخدام الموارد بشكل فعال.
ومع ذلك، يبدو أن التغيير الجوهري غير مرجح في ظل النظام الحالي، الذي يعطي الأولوية للتدخلات الإقليمية والقمع الداخلي على حساب القضايا البيئية والصحية. يمكن لحكومة ديمقراطية ومساءلة، ملتزمة بخدمة مواطنيها، أن تمهّد الطريق لمستقبل أكثر نظافة وصحة لإيران.
إن مكافحة التلوث الهوائي ليست مجرد معركة بيئية؛ بل هي نضال من أجل الصحة العامة والرفاهية الاجتماعية والعدالة. ومع ذلك، طالما أن هذا النظام يحكم إيران، فإن الأمل في تحسين الوضع يبقى عبثيًا، شأنه شأن كل الأزمات الأخرى. فقط مع إقامة حكومة شعبية يمكن حل هذه المشكلة بشكل جذري.