الإيرانيات يقدمن تفسيرا جديدا للحياة -الصحوة المرة للشعب الايراني وفق ما آلت إليه الثورة، واستمرار المعاناة والقمع بمختلف أنواعه، بعد أن فرض التيار الديني المتطرف نظام ولاية الفقيه القمعي الاستبدادي عليه، وتبين للشعب أن كل وعود النظام بالحرية والرفاه لم تكن إلا كذبا فاضحا وهواء في شبك، جعلت الشعب مرة أخرى وجها لوجه في مواجهة الديكتاتورية، لكن بغطاء ديني مشبوه.
لكن أكثر ما ميز نظام ولاية الفقيه وجعله حالة سلبية استثنائية غير مسبوقة هو أن هذا النظام لم يؤمن بمبادئ حقوق الانسان، وكشف من خلال أفكاره وقوانينه كراهيته ومعاداته للمرأة، وقد أصبحت معاداتها لدى النظام واحدة من مرتكزاته الاساسية.
الثورة الايرانية التي أطاحت نظام الشاه، لعبت المرأة الايرانية دورا رياديا فيها وكان لها الدور والأثر النوعي في مسارها وتحقيقها للانتصار، ومن دون شك فإن خروج النساء الايرانيات في الايام الاولى لهيمنة التيار الديني على الاوضاع، في تظاهرة رفضن فيها فرض الحجاب إجباريا عليهن، ومساندة منظمة “مجاهدي خلق” في تإييد ودعم تلك الانتفاضة، جعل النظام ينتبه الى الدور المهم والمؤثر للمرأة في مسار الاحداث والتطورات، خصوصا إنه كان يمتلك معلومات مسبقة عن الدور الفعال والحيوي الذي قامت بها المرأة في النضال، وإنها كانت القوة الدينمايكية التي كانت واحدا من العوامل المهمة جدا في انتصار الثورة، وفرار الشاه والدائرة المصغرة المنتفعة منه، ولذلك فان هذا النظام قد أضمر شرا ضد النساء وصمم على انتهاج سياسة ضدهن تحد من دورهن وتأثيرهن.
السياسة المشبوهة التي انتهجها النظام عملت من أجل فرض نمط حياة قرووسطائية عليهن وجعلهن محصورات بين أربعة جدران، جاءت إنتفاضات أعوام 2009 و2017 و2019، و2022، لتبين للنظام أن نهجه المشبوه لم يحقق إلا الخيبة والخذلان، بل إن الذي صدم النظام وجعله يشعر بحالة من الخوف والهلع، إن النساء قد لعبن دورا رياديا لا يمكن لأحد إنكاره في تلك المحافظات، ومعظم التحركات الاحتجاجية خصوصا.
وإن الانتفاضة الاخيرة، التي كانت حادثة قتل الفتاة الكردية مهسا أميني، سببا مباشرا لاندلاعها، والمشاركة النسوية غير العادية فيها، قد أصابت النظام بصدمة لم ينتظرها ويتوقعها، لاسيما ان الفتيات الشجاعات في وحدات المقاومة التابعة لـ”مجاهدي خلق”، قد مارسن دورا كبيرا لم يتوقعه النظام أبدا، ويكفي هنا أن نورد ما ذكرته الرئيسة المنتخبة من جانب المقاومة الايرانية مريم رجوي، من معلومات مهمة جدا في خطابها الذي ألقته قبل أيام من اليوم العالمي للمرأة، في المؤتمر الدولي في بروكسل بصدد دور ومشاركة المرأة في الانتفاضة عندما قالت: “في الانتفاضة الحالية، تحرّكت 204 جامعات للمشاركة في الاحتجاجات، وفي معظم الحالات كانت الطالبات يتصدرن صفوف المتظاهرين، ومن بين 1776 مدرسة انضم طلابها إلى الانتفاضات، كانت 1186 مدرسة للبنات، كان هناك صمت على دور النساء الشهيدات في إيران في سجني “إيفين” و”كوهردشت”، وأكثر من 100 مركز تعذيب من مراكز النظام ودور النساء اللواتي تم إعدامهن في عام 1981، لقد قدمت النساء المنتفضات على امتداد مسار ريادة النساء تفسيرا جديدا للحياة “. هذه المعلومات الملفتة للنظر بخصوص دور المرأة الايرانية في مواجهة النظام، وفي المساهمة بالانتفاضة الشعبية ضده، جاءت لتؤكد أن المرأة الايرانية كانت ولا زالت قوة تأثير غير عادية في مسار الاحداث في إيران، والاهم من ذلك أن لها درجة عالية من الوعي وتمييز النوايا المشبوهة سواء
في العهد الملكي أو عهد نظام ولاية الفقيه.
الكاتب: نزار جاف
كاتب وصحافي عراقي