موقع المجلس:
لم تمضِ سوى أيام قليلة على اتفاق السلام في غزة، حتى تصاعدت داخل إيران موجة غير مسبوقة من الانتقادات، طالت هذه المرة رأس النظام نفسه، علي خامنئي، ووضعت سياسته الإقليمية الممتدة لعقود تحت مجهر المساءلة. فقد كشفت التطورات الأخيرة عن حجم الفشل الذي مني به النظام على المستويين الداخلي والخارجي، لتبرز ملامح “الهزيمة الشاملة” من تراجع النفوذ الإقليمي إلى احتدام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل.
تفكك “محور الممانعة” وانهيار الردع
في مشهد نادر، تجرأت صحيفة “جمهوري إسلامي” الموالية للنظام على طرح سؤال صادم: “هل كان لطوفان الأقصى فائز حقيقي؟”، في اعتراف ضمني بأن نتائج الصراع الأخير لم تصب في مصلحة طهران. أما صحيفة “ستاره صبح” فقد ذهبت أبعد من ذلك حين أقرت بأن: “إيران فقدت إلى حد كبير حماس وحزب الله والحوثيين والحشد الشعبي… وحزب الله لم يعد يمتلك القدرة الردعية التي كانت تمثل ركيزة النفوذ الإيراني، ومع تراجع دوره، تضعف باقي الأذرع تباعًا.”
هذا الخطاب يعكس انهيار الأساس الأيديولوجي والعسكري لاستراتيجية “تصدير الثورة” التي شكلت عماد مشروع خامنئي الإقليمي. ومع تصاعد الضغوط الدولية لنزع سلاح حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق، يتقلص مجال تأثير طهران بصورة غير مسبوقة.
وتجلّى هذا التراجع الرمزي في رفض الحكومة اللبنانية عرضًا إيرانياً لتزويدها بالوقود مجانًا وتقديم مساعدة قيمتها 60 مليون دولار، في إشارة واضحة إلى أن حتى الدول القريبة من محور طهران باتت تتجنب التعامل مع نظام محاصر بالعزلة والرفض.
أزمات الداخل: اقتصاد متهاوٍ وغضب مكتوم
على الصعيد الداخلي، تتكشف صورة أكثر قتامة. فالمؤشرات الاقتصادية التي يعلنها المسؤولون الإيرانيون أنفسهم تُظهر اقتصادًا يترنح تحت وطأة الفساد والعقوبات وسوء الإدارة:
100 مليار دولار من عائدات التصدير لم تعد إلى البلاد خلال السنوات السبع الأخيرة، في مؤشر صارخ على حجم الفساد والتهريب.
800 ألف خريج جامعي يواجهون البطالة، في دليل على انسداد الأفق الاقتصادي وفشل النظام في خلق فرص عمل حقيقية.
3 تريليونات دولار خسرها الاقتصاد الإيراني خلال العقدين الماضيين بسبب العقوبات، وهو ما يعادل – بحسب الخبير الاقتصادي سعيد شريعتي – أضرار 64 عامًا من الحرب المستمرة.
وفي خضم هذا الانهيار، يختفي خامنئي عن الأنظار لأكثر من 35 يومًا، في أطول غياب له منذ سنوات. هذا الغياب لا يُقرأ فقط في سياق احتمال تدهور حالته الصحية، بل يُنظر إليه كرمز لفراغ السلطة وشلل القرار داخل قمة هرم النظام. وقد شجع هذا الفراغ الأصوات الناقدة من داخل الدوائر الرسمية نفسها على الجهر بسخطها وإبداء تبرمها من سياساته.
نظام مأزوم وزعيم على وشك السقوط
لا شك أن خامنئي يتحمل المسؤولية المباشرة عن هذا الفشل الاستراتيجي الذي أصاب مشروعه الإقليمي في مقتل، وعمّق أزمات الداخل إلى حد الانفجار. ومع كل إشارة ضعف تصدر عن رأس النظام، تتعالى الأصوات التي تطالب بمحاسبته.
إن ما نشهده اليوم ليس سوى بداية انهيار مرحلة طويلة من الاستبداد الديني والفساد البنيوي، التي أنهكت الشعب الإيراني وأهدرت موارده في مغامرات خارجية عقيمة.
لكن الحكم النهائي على هذه الحقبة لن يصدر من داخل مؤسسات النظام، بل من الشارع الإيراني نفسه، حين يترجم غضبه إلى انتفاضة شعبية منظمة، تُغلق صفحة العقود المظلمة وتفتح فجرًا جديدًا لإيران الحرة.