في عودة إستطرادية لفصول التاريخ الذي بات اليوم يتحكم بمغالق و منافذ السياسة العراقية المعاصرة لا بد من تذكر عبارة آخر والي للأمويين في خراسان وهونصر بن سيار وكانت جملة تحذيرية بليغة يحذرهم فيها من نهاية أمرهم وغروب شمسهم , ومحذرا من وقوع الفتنة وحيث قال : أرى تحت الرماد وميض نار يوشك أن يكون لها ضراما.
وقد إختتم تحذيره بقوله : إن الهدف هو هلاك العرب.
إشكالية العلاقات الإيرانية المتداخلة مع العراق الجديد إشكالية عويصة ومعقدة ومتداخلة, وتثير كل عوامل العجب والتعجب, فليس سرا معرفة حقيقة أن الكثير من الظواهر السلبية السائدة والمتفشية في عراق اليوم تقف خلفها الأجهزة الإيرانية, وهي الحقيقة التي أكدتها وألحت على تأكيدها الحكومة العراقية السابقة برئاسة الدكتور أياد علاوي وحملات وجمل التهم المباشرة والصريحة التي كان يطلقها أكثر من وزير ومسؤول عراقي من خارج إطار التشكيلات الطائفية شهيرة وموثقة وقاسية وصريحة ومباشرة , فمنذ إنهيار وتلاشي النظام الصدامي وإيران كانت تعمل حثيثا على إستغلال حالة الفراغ الأمني وتمكنت تحت أشكال وصيغ مختلفة من الهيمنة والتمدد وشراء الأنصار و دعم الموالين وتسريب عملائها ورجالها بين صفوف المليشيات الدينية والطائفية التي نبتت كالفطر السام مشوهة كل تفاصيل وصور الحياة العراقية حتى جعلت من الجنوب العراقي في ظل سياسة الخبث والتغاضي بل و العجز البريطانية الماكرة بمثابة محمية إيرانية نعم .. لقد وجدت في البصرة (أهواز) أخرى وشاهدت عظم ودرجة التدمير والسحق والإبتزاز السياسي التي تمارسه الجماعات والعصابات الطائفية هناك في ممارساتها المدمرة لمستقبل التعايش السلمي الأهلي والطائفي, وفي تخريبها العبثي لصيغة التعامل الحضاري التي درج عليها البصريون, لقد ترعرعت الجماعات والمليشيات الطائفية عبر الدعم الإيراني المباشر وأمام أنظار وتحت أسماع الحكومة العراقية بل بمباركة بعض أطرافها , وأسماء جماعات ومسميات خرافية ورجعية من طراز حزب الله و(ثأر الله) ومنتدى الولاية وسيد الشهداء و(جماعة الفضلاء). و(الفضيلة) وغيرها من العناوين ذات المسوح الدينية والدلالات الطائفية قد فرضت سطوتها على الواقع الحياتي في الجنوب العراقي هذا غير نمو عصابة مقتدى الصدر وجيشه المهدوي العدواني المكون من فلول القتلة والسرسرية وجماعات الدعوة الإسلامية , والدعوة تنظيم العراق وجماعة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والذي كان ولازال في رأيي و رأي كل من عايش ساحة العمل السياسي العراقي منظمة إيرانية حكومية بحتة تخضع لتوجيه السلطات الإيرانية رغم أنها تحكم العراق اليوم ولها ثقلها الملموس في واقع السياسة العراقية شئنا أم أبينا? ورغم تبديل الإسم والعنوان و إستبدال الولاء والتقليد المرجعي, وهي قضية تكتيكية بحتة, ولعل تذكر ثلاثة أحداث مهمة عاشها العراق خلال السنوات الأخيرة يؤكد إستمرارية تبعية عناصر المعارضة العراقية السابقة للنفوذ والهيمنة بل وللضغوط الإيرانية المباشرة والعمل الحثيث لخدمة السياسة الإيرانية :
الملف الأول : القرار رقم واحد للدكتور إبراهيم الجعفري (رئيس الوزراء الأسبق!).
فبعد زيارة وزير الخارجية الإيراني السابق (كمال خرازي ) لبغداد في مايو 2005 , أصدر رئيس الوزراء العراقي الأسبق إبراهيم الجعفري قراره المرقم ب (1) في 22 مايو المنصرم ينص فيه على إطلاق سراح جميع المسجونين الإيرانيين في العراق دون مساءلتهم عن جرمهم, بدعوى إنهم مجرد زوار للعتبات المقدسة وهي الحجة التي تتسلل من خلالها العديد من العناصر الإيرانية والأفغانية والباكستانية الأصولية ) للعراق ولا أدري لماذا لا يسلكون الطريق الطبيعي للزيارة الدينية من خلال الضوابط القانونية وكان قرار وزاري مؤسف ويستهين بالإرادة الشعبية العراقية , وتم بشكل فردي ودون عرضه على الجمعية الوطنية العراقية المنتخبة رغم أنه ذو خلفيات أمنية على صعيد حماية الجبهة الداخلية والشعب العراقي من العصابات الإرهابية التي تسرح وتمرح , ومن شبكات تهريب المخدرات والدعارة التي تقف خلفها إيران مهما بالغ اللوبي الإيراني في العراق والمتمركز في مفاصل السلطة في نفيه, لقد كان قرارا ينم عن تبعية مؤسفة لإيران وعن إستهانة فظيعة بالرأي العام العراقي فإيران ذاتها ظلت لسنوات طوال تحتفظ بالكثير من أسرى الحرب العراقيين وتمارس المساومة المريضة على ملفات إنسانية عالقة , وإيران وديبلوماسيتها ظلت تمارس سياسة الإبتزاز في سرقة الطائرات العراقية التي هربها النظام البائد لها عشية حرب (عاصفة الصحراء ) 1991! وهي أملاك الشعب العراقي وليس ملكا لصدام وعصابته ? وإيران عارضت حرب إسقاط صدام رسميا وعلنيا ومارست المضايقات ضد المعارضة العراقية بل أن الجعفري نفسه كان أحد ضحاياها في إطار الحملة الإيرانية الرسمية ضد حزب الدعوة العراقي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي, وإيران لها دور مهم في تخريب الحالة الداخلية في العراق , ومع ذلك تكافأ ويكافأ رجال مخابراتها الذين دخلوا البلد للتخريب بحجة الزيارة ليطلق سراحهم دون مساءلة, ماذا يمكن أن نسمي هذا القرار الجعفري, وأين رجال القانون في العراق ? وأين المعارضة في المجلس الوطني التشريعي المنتخب, وأين النخب العراقية المثقفة الحرة الحريصة على دماء العراقيين ومصالحهم, وما هذه الأريحية في التعاطي مع ملفات التخريب الإيرانية ? كما أن توالي إعتقال الحلقات المخابراتية الإيرانية والتي كان آخرها إعتقال المسؤول العسكري في الحرس الثوري محمود فرهادي في شمال العراق, وما خفي كان أعظم, إنها مجرد تساؤلات مشروعة في زمن الديمقراطية العراقية المفترض!.
الملف الثاني : تصريحات حامد البياتي حول حق إيران في التعويض!!!.
أما مرافعات وكيل الخارجية العراقية سابقا و مندوب العراق في الأمم المتحدة حاليا السيد حامد البياتي و هو من المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق) حول حق إيران في تسلم تعويضات الحرب الإيرانية ¯ العراقية والتي حددها ب100 بليون دولار أميركي, رغم ظروف العراق الإقتصادية والمالية الصعبة و مطالبته في الوقت نفسه حاليا لإلغاء التعويضات المقررة للكويت مثلا ? فهي تثير الأسى والعجب على حماسة المسؤولين العراقيين المفترضين ) وحماقتهم السقيمة في الدفاع عن المصالح الإيرانية بشكل محموم ومريض وغير طبيعي , فلقد أكد السيد البياتي وقتها على حق إيران الطبيعي في المطالبة وتسلم التعويضات وهي بالبلايين دون أن يطالب بإطفاء أو إلغاء أو تخفيض تلك الديون أسوة بما فعلته الكثير من الدول الدائنة للعراق, ومسؤولية الحرب الإيرانية هي مسؤولية مشتركة فقد عانى من آثامها وجرائمها شعبي العراق وإيران و أجهزت على موارد وإمكانيات البلدين , والشعب العراقي برمته غير مسؤول عن تلك الحرب التي كان أول ضحاياها هو الشباب العراقي وبالتالي فإن مسألة التعويضات كان يمكن أن تكون خاضعة للتفاوض الطويل والصعب بين البلدين وبما يحفظ مصالح جميع الأطراف المتضررة, أما أن يأتي السيد حامد البياتي وبتصريحاته الفهلوية ويدافع عن المنطلقات والمطالبات الإيرانية فهذا يجعله وكيلا للخارجية الإيرانية وليس العراقية, ويجعل ولائه للولي الإيراني الفقيه وليس للشعب العراقي, رغم أن من عينه في منصبه الرفيع بعد التشرد في لندن ليس الولي الإيراني الفقيه بل الحاكم الأميركي الأسبق بول بريمر, ومع ذلك فما زال هوى مندوب العراق الأممي المحروس إيرانيا حتى النخاع !! وهذه من عجائب وغرائب الزمن العراقي الجديد. وهنيئا لإيران بوزارة الخارجية العراقية المحروسة! بكل وكلائها و سفرائها.
الملف الثالث: نقل ضريح الخميني للنجف
وفي سابقة لم تحدث ولا أظنها ستحدث, أعلنت بعض المصادر الخبرية في العراق وقد لا يكون الخبر صحيحا قبل شهور طويلة مضت عن لقاء وتجمع بعض الجماعات الإسلامية العراقية بالذكرى السنوية لرحيل الإمام الخميني في مدينة النجف, والتي أعربت عن أسفها العميق لعدم رؤية الخميني لمدينة النجف وهي محررة, ترى من حررها , أليس من يسمونه الشيطان الأكبر, وهي التسمية التي أطلقها الخميني على الولايات المتحدة, بل والأخطر عن نية هذه الجماعات ورغبتها بنقل ضريح الخميني, ورفاته من جنوب العاصمة الإيرانية طهران , لتدفن في النجف, في خطوة غريبة وغير مفهومة وتتقاطع مع خيارات الشعب الإيراني, فالخميني زعيم ديني وسياسي إيراني محض وضريحه الضخم في طهران, بقبابه الذهبية ونقوشه الصفوية والمتشابه مع أضرحة أئمة الشيعة, والطقوس التقديسية والمغالية التي بات الإيرانيون يمارسونها هناك, لا يمكن أن يبنى ما يضاهيه في العراق لأسباب كثيرة, ثم أن ذلك الضريح قد تحول لمعلمة سياحية دينية إيرانية مهمة لن يتنازل عنها الإيرانيون لأنه رمز قومي إيراني قبل أن يكون رمزا دينيا أو مذهبيا للشيعة, ونفاق بعض الجماعات الشيعية العراقية ومزايدتهم الساذجة إنما هي مؤشر على رؤى وخيارات غير واقعية ولا طعم لها, لأن العراق ليس بحاجة للمزيد من المشكلات أو لزيادة تدفق الزوار الإيرانيين بدعوى زيارة إمامهم السابق, هذا إن وافقت السلطات الإيرانية على مسألة نقل الضريح وهي قضية مستحيلة بالمطلق ولن تتحقق على الإطلاق, ثم أن العراق ليس بحاجة لمسمار جحا, جديد وأعتقد إن مشاكل العراق العويصة أكبر كثيرا من توفير قبر ومرقد ضخم وبديل للولي الفقيه الإيراني الراحل, إنه زمن الموت العراقي الشامل الذي جعل من القبور في العراق من اكثر الأشياء توفرا ? فقليلا من العقل يا دعاة الإسلام الطائفي الجديد, وحاولوا الإهتمام بمشكلات شعبكم المسحوق بدلا من متابعة أجساد الموتى وتقديسها, وكما أسلفت فإنه لم تتضح مصداقية ذلك الخبر حتى الآن والذي نشر قبل عامين في صحيفة عراقية ودولية )! ولكنني أعلق على ظاهرة تصاعد الولاء من بعض الجماعات الشيعية لإيران وكما تجسدها بعض التحركات الميدانية والتصريحات العلنية, فلا حول ولا قوة إلا بالله .
أما المفاوضات الأميركية ¯ الإيرانية في بغداد على أمن العراق فهي فضيحة مدوية تعكس حجم و درجة التورط الإيراني الذي يتخذ شكل حرب وقائية متقدمة في العمق العراقي .
لقد بينت جميع المؤشرات السابقة واللاحقة على فشل السياسيين العراقيين الحاليين في التميز بالوطنية العراقية المطلوبة وبات تلمس الحلول الخرافية أو التطلع لرضا الجانب الإيراني هو الهدف المقدس لهم رغم الجعجعة الإعلامية المعاكسة لتلكم التوجهات , كما تبين بشكل واضح وصريح فشل السياسي العراقي الحالي في التخلص من إرتهانات ووشائج و عقد الماضي في التبعية والولاء إنها مسألة خطيرة في وضع عراقي خطير, وهي مشكلة عظمى في ملف عراقي متورم بالمشاكل المتراكمة. فإيران هي اللاعب الأكبر اليوم في السياسة الداخلية في العراق و لعل التصريحات المتفائلة للرئيس الإيراني نجاد حول قدرة إيران على ملأ الفراغ السياسي و الأمني في العراق في حال إنسحاب القوات الدولية هي جانب من صورة ميدانية مشوهة, ومن المؤسف أن تلاميذ المدرسة السياسية الإيرانية من العراقيين هم من يوجه دفة الأمور و يهيمنون على صناعة القرار العراقي, وهذه إشكالية فريدة تميز الوضع العجائبي في العراق.
داود البصری
الإيرانيون و أدوات اللعب في السياسة العراقية.. شواهد من الماضي القريب ؟
في عودة إستطرادية لفصول التاريخ الذي بات اليوم يتحكم بمغالق و منافذ السياسة العراقية المعاصرة لا بد من تذكر عبارة آخر والي للأمويين في خراسان وهو نصر بن سيار وكانت جملة تحذيرية بليغة يحذرهم فيها من نهاية أمرهم وغروب شمسهم , ومحذرا من وقوع الفتنة وحيث قال : أرى تحت الرماد وميض نار يوشك أن يكون لها ضراما.
وقد إختتم تحذيره بقوله : إن الهدف هو هلاك العرب.
إشكالية العلاقات الإيرانية المتداخلة مع العراق الجديد إشكالية عويصة ومعقدة ومتداخلة, وتثير كل عوامل العجب والتعجب, فليس سرا معرفة حقيقة أن الكثير من الظواهر السلبية السائدة والمتفشية في عراق اليوم تقف خلفها الأجهزة الإيرانية, وهي الحقيقة التي أكدتها وألحت على تأكيدها الحكومة العراقية السابقة برئاسة الدكتور أياد علاوي وحملات وجمل التهم المباشرة والصريحة التي كان يطلقها أكثر من وزير ومسؤول عراقي من خارج إطار التشكيلات الطائفية شهيرة وموثقة وقاسية وصريحة ومباشرة , فمنذ إنهيار وتلاشي النظام الصدامي وإيران كانت تعمل حثيثا على إستغلال حالة الفراغ الأمني وتمكنت تحت أشكال وصيغ مختلفة من الهيمنة والتمدد وشراء الأنصار و دعم الموالين وتسريب عملائها ورجالها بين صفوف المليشيات الدينية والطائفية التي نبتت كالفطر السام مشوهة كل تفاصيل وصور الحياة العراقية حتى جعلت من الجنوب العراقي في ظل سياسة الخبث والتغاضي بل و العجز البريطانية الماكرة بمثابة محمية إيرانية نعم .. لقد وجدت في البصرة (أهواز) أخرى وشاهدت عظم ودرجة التدمير والسحق والإبتزاز السياسي التي تمارسه الجماعات والعصابات الطائفية هناك في ممارساتها المدمرة لمستقبل التعايش السلمي الأهلي والطائفي, وفي تخريبها العبثي لصيغة التعامل الحضاري التي درج عليها البصريون, لقد ترعرعت الجماعات والمليشيات الطائفية عبر الدعم الإيراني المباشر وأمام أنظار وتحت أسماع الحكومة العراقية بل بمباركة بعض أطرافها , وأسماء جماعات ومسميات خرافية ورجعية من طراز حزب الله و(ثأر الله) ومنتدى الولاية وسيد الشهداء و(جماعة الفضلاء). و(الفضيلة) وغيرها من العناوين ذات المسوح الدينية والدلالات الطائفية قد فرضت سطوتها على الواقع الحياتي في الجنوب العراقي هذا غير نمو عصابة مقتدى الصدر وجيشه المهدوي العدواني المكون من فلول القتلة والسرسرية وجماعات الدعوة الإسلامية , والدعوة تنظيم العراق وجماعة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والذي كان ولازال في رأيي و رأي كل من عايش ساحة العمل السياسي العراقي منظمة إيرانية حكومية بحتة تخضع لتوجيه السلطات الإيرانية رغم أنها تحكم العراق اليوم ولها ثقلها الملموس في واقع السياسة العراقية شئنا أم أبينا? ورغم تبديل الإسم والعنوان و إستبدال الولاء والتقليد المرجعي, وهي قضية تكتيكية بحتة, ولعل تذكر ثلاثة أحداث مهمة عاشها العراق خلال السنوات الأخيرة يؤكد إستمرارية تبعية عناصر المعارضة العراقية السابقة للنفوذ والهيمنة بل وللضغوط الإيرانية المباشرة والعمل الحثيث لخدمة السياسة الإيرانية :
الملف الأول : القرار رقم واحد للدكتور إبراهيم الجعفري (رئيس الوزراء الأسبق!).
فبعد زيارة وزير الخارجية الإيراني السابق (كمال خرازي ) لبغداد في مايو 2005 , أصدر رئيس الوزراء العراقي الأسبق إبراهيم الجعفري قراره المرقم ب (1) في 22 مايو المنصرم ينص فيه على إطلاق سراح جميع المسجونين الإيرانيين في العراق دون مساءلتهم عن جرمهم, بدعوى إنهم مجرد زوار للعتبات المقدسة وهي الحجة التي تتسلل من خلالها العديد من العناصر الإيرانية والأفغانية والباكستانية الأصولية ) للعراق ولا أدري لماذا لا يسلكون الطريق الطبيعي للزيارة الدينية من خلال الضوابط القانونية وكان قرار وزاري مؤسف ويستهين بالإرادة الشعبية العراقية , وتم بشكل فردي ودون عرضه على الجمعية الوطنية العراقية المنتخبة رغم أنه ذو خلفيات أمنية على صعيد حماية الجبهة الداخلية والشعب العراقي من العصابات الإرهابية التي تسرح وتمرح , ومن شبكات تهريب المخدرات والدعارة التي تقف خلفها إيران مهما بالغ اللوبي الإيراني في العراق والمتمركز في مفاصل السلطة في نفيه, لقد كان قرارا ينم عن تبعية مؤسفة لإيران وعن إستهانة فظيعة بالرأي العام العراقي فإيران ذاتها ظلت لسنوات طوال تحتفظ بالكثير من أسرى الحرب العراقيين وتمارس المساومة المريضة على ملفات إنسانية عالقة , وإيران وديبلوماسيتها ظلت تمارس سياسة الإبتزاز في سرقة الطائرات العراقية التي هربها النظام البائد لها عشية حرب (عاصفة الصحراء ) 1991! وهي أملاك الشعب العراقي وليس ملكا لصدام وعصابته ? وإيران عارضت حرب إسقاط صدام رسميا وعلنيا ومارست المضايقات ضد المعارضة العراقية بل أن الجعفري نفسه كان أحد ضحاياها في إطار الحملة الإيرانية الرسمية ضد حزب الدعوة العراقي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي, وإيران لها دور مهم في تخريب الحالة الداخلية في العراق , ومع ذلك تكافأ ويكافأ رجال مخابراتها الذين دخلوا البلد للتخريب بحجة الزيارة ليطلق سراحهم دون مساءلة, ماذا يمكن أن نسمي هذا القرار الجعفري, وأين رجال القانون في العراق ? وأين المعارضة في المجلس الوطني التشريعي المنتخب, وأين النخب العراقية المثقفة الحرة الحريصة على دماء العراقيين ومصالحهم, وما هذه الأريحية في التعاطي مع ملفات التخريب الإيرانية ? كما أن توالي إعتقال الحلقات المخابراتية الإيرانية والتي كان آخرها إعتقال المسؤول العسكري في الحرس الثوري محمود فرهادي في شمال العراق, وما خفي كان أعظم, إنها مجرد تساؤلات مشروعة في زمن الديمقراطية العراقية المفترض!.
الملف الثاني : تصريحات حامد البياتي حول حق إيران في التعويض!!!.
أما مرافعات وكيل الخارجية العراقية سابقا و مندوب العراق في الأمم المتحدة حاليا السيد حامد البياتي و هو من المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق) حول حق إيران في تسلم تعويضات الحرب الإيرانية ¯ العراقية والتي حددها ب100 بليون دولار أميركي, رغم ظروف العراق الإقتصادية والمالية الصعبة و مطالبته في الوقت نفسه حاليا لإلغاء التعويضات المقررة للكويت مثلا ? فهي تثير الأسى والعجب على حماسة المسؤولين العراقيين المفترضين ) وحماقتهم السقيمة في الدفاع عن المصالح الإيرانية بشكل محموم ومريض وغير طبيعي , فلقد أكد السيد البياتي وقتها على حق إيران الطبيعي في المطالبة وتسلم التعويضات وهي بالبلايين دون أن يطالب بإطفاء أو إلغاء أو تخفيض تلك الديون أسوة بما فعلته الكثير من الدول الدائنة للعراق, ومسؤولية الحرب الإيرانية هي مسؤولية مشتركة فقد عانى من آثامها وجرائمها شعبي العراق وإيران و أجهزت على موارد وإمكانيات البلدين , والشعب العراقي برمته غير مسؤول عن تلك الحرب التي كان أول ضحاياها هو الشباب العراقي وبالتالي فإن مسألة التعويضات كان يمكن أن تكون خاضعة للتفاوض الطويل والصعب بين البلدين وبما يحفظ مصالح جميع الأطراف المتضررة, أما أن يأتي السيد حامد البياتي وبتصريحاته الفهلوية ويدافع عن المنطلقات والمطالبات الإيرانية فهذا يجعله وكيلا للخارجية الإيرانية وليس العراقية, ويجعل ولائه للولي الإيراني الفقيه وليس للشعب العراقي, رغم أن من عينه في منصبه الرفيع بعد التشرد في لندن ليس الولي الإيراني الفقيه بل الحاكم الأميركي الأسبق بول بريمر, ومع ذلك فما زال هوى مندوب العراق الأممي المحروس إيرانيا حتى النخاع !! وهذه من عجائب وغرائب الزمن العراقي الجديد. وهنيئا لإيران بوزارة الخارجية العراقية المحروسة! بكل وكلائها و سفرائها.
الملف الثالث: نقل ضريح الخميني للنجف
وفي سابقة لم تحدث ولا أظنها ستحدث, أعلنت بعض المصادر الخبرية في العراق وقد لا يكون الخبر صحيحا قبل شهور طويلة مضت عن لقاء وتجمع بعض الجماعات الإسلامية العراقية بالذكرى السنوية لرحيل الإمام الخميني في مدينة النجف, والتي أعربت عن أسفها العميق لعدم رؤية الخميني لمدينة النجف وهي محررة, ترى من حررها , أليس من يسمونه الشيطان الأكبر, وهي التسمية التي أطلقها الخميني على الولايات المتحدة, بل والأخطر عن نية هذه الجماعات ورغبتها بنقل ضريح الخميني, ورفاته من جنوب العاصمة الإيرانية طهران , لتدفن في النجف, في خطوة غريبة وغير مفهومة وتتقاطع مع خيارات الشعب الإيراني, فالخميني زعيم ديني وسياسي إيراني محض وضريحه الضخم في طهران, بقبابه الذهبية ونقوشه الصفوية والمتشابه مع أضرحة أئمة الشيعة, والطقوس التقديسية والمغالية التي بات الإيرانيون يمارسونها هناك, لا يمكن أن يبنى ما يضاهيه في العراق لأسباب كثيرة, ثم أن ذلك الضريح قد تحول لمعلمة سياحية دينية إيرانية مهمة لن يتنازل عنها الإيرانيون لأنه رمز قومي إيراني قبل أن يكون رمزا دينيا أو مذهبيا للشيعة, ونفاق بعض الجماعات الشيعية العراقية ومزايدتهم الساذجة إنما هي مؤشر على رؤى وخيارات غير واقعية ولا طعم لها, لأن العراق ليس بحاجة للمزيد من المشكلات أو لزيادة تدفق الزوار الإيرانيين بدعوى زيارة إمامهم السابق, هذا إن وافقت السلطات الإيرانية على مسألة نقل الضريح وهي قضية مستحيلة بالمطلق ولن تتحقق على الإطلاق, ثم أن العراق ليس بحاجة لمسمار جحا, جديد وأعتقد إن مشاكل العراق العويصة أكبر كثيرا من توفير قبر ومرقد ضخم وبديل للولي الفقيه الإيراني الراحل, إنه زمن الموت العراقي الشامل الذي جعل من القبور في العراق من اكثر الأشياء توفرا ? فقليلا من العقل يا دعاة الإسلام الطائفي الجديد, وحاولوا الإهتمام بمشكلات شعبكم المسحوق بدلا من متابعة أجساد الموتى وتقديسها, وكما أسلفت فإنه لم تتضح مصداقية ذلك الخبر حتى الآن والذي نشر قبل عامين في صحيفة عراقية ودولية )! ولكنني أعلق على ظاهرة تصاعد الولاء من بعض الجماعات الشيعية لإيران وكما تجسدها بعض التحركات الميدانية والتصريحات العلنية, فلا حول ولا قوة إلا بالله .
أما المفاوضات الأميركية ¯ الإيرانية في بغداد على أمن العراق فهي فضيحة مدوية تعكس حجم و درجة التورط الإيراني الذي يتخذ شكل حرب وقائية متقدمة في العمق العراقي .
لقد بينت جميع المؤشرات السابقة واللاحقة على فشل السياسيين العراقيين الحاليين في التميز بالوطنية العراقية المطلوبة وبات تلمس الحلول الخرافية أو التطلع لرضا الجانب الإيراني هو الهدف المقدس لهم رغم الجعجعة الإعلامية المعاكسة لتلكم التوجهات , كما تبين بشكل واضح وصريح فشل السياسي العراقي الحالي في التخلص من إرتهانات ووشائج و عقد الماضي في التبعية والولاء إنها مسألة خطيرة في وضع عراقي خطير, وهي مشكلة عظمى في ملف عراقي متورم بالمشاكل المتراكمة. فإيران هي اللاعب الأكبر اليوم في السياسة الداخلية في العراق و لعل التصريحات المتفائلة للرئيس الإيراني نجاد حول قدرة إيران على ملأ الفراغ السياسي و الأمني في العراق في حال إنسحاب القوات الدولية هي جانب من صورة ميدانية مشوهة, ومن المؤسف أن تلاميذ المدرسة السياسية الإيرانية من العراقيين هم من يوجه دفة الأمور و يهيمنون على صناعة القرار العراقي, وهذه إشكالية فريدة تميز الوضع العجائبي في العراق.
داود البصری