موقع المجلس:
في إعلان رسمي يُكشف عن حجم الكارثة الاقتصادية التي تُعصف بإيران، أفاد مركز الإحصاء التابع للنظام بأن معدل التضخم النقطي (من شهر إلى الشهر نفسه في العام السابق) بلغ 48.6% في أكتوبر 2025، بينما بلغ المعدل السنوي 38.9%، مع ارتفاع شهري بنسبة 5%. هذه الأرقام، التي يُعتبرها الخبراء مُقللة من الواقع، ليست مجرّد بيانات إحصائية، بل إعلان عن موت بطيء لقدرة الشراء لدى المواطن الإيراني، ودليل على فشل بنيوي لنظام مُغرق في الفساد والانقسامات الداخلية. يجمع هذا التضخم المتسارع مع الركود الاقتصادي الخانق، مُحوّلاً الروتين اليومي للإيرانيين إلى معركة ناجية، ويُمهّد الطريق لانفجار اجتماعي محتَمَل.
الفساد والتضخم الجامح: استراتيجية النظام الإيراني الخبيثة في أسواق الصرف
بينما يركز العالم على تطورات النزاع في غزة، يُواجه الشعب الإيراني عدوًا داخليًا أكثر فتكًا: الفساد السياسي والاقتصادي الذي يتغلغل في كل تفاصيل حياتهم اليومية. هذه الأزمة، التي تُبقى بعيدًا عن الأضواء الدولية، هي السبب الجذري في معاناة الإيرانيين الحالية.
تفكيك أرقام التضخم: واقع أكثر قتامة من التقارير الرسمية
رغم الشكوك حول دقة الإحصاءات الرسمية، ترسم هذه الأرقام لوحة مرعبة لانهيار مستوى المعيشة. خلال عام واحد، ارتفعت أسعار السلع والخدمات الأساسية بمعدلات مدمِّرة:
الخبز والحبوب: +98%
اللحوم والدواجن: +70%
الألبان والبيض: +65%
الإيجار السكني: +43%
العلاج والرعاية الصحية: +48%
الماء والكهرباء والغاز: +35%
هذه الارتفاعات تعني أن تكاليف العيش قد تضاعفت تقريبًا في عام واحد. لم يعد الأمر يقتصر على التخلِّي عن الترفيه، بل وصل إلى إلغاء تدريجي لأساسيات الغذاء من جداول الطعام العائلية. فالتضخم الشهري بنسبة 5% في أكتوبر وحده يُفوق ضعف معدل التضخم السنوي في دول مثل الولايات المتحدة، مُبرزًا حجم الدمار.
من الدجاج إلى البقوليات: تفكُّك الأمن الغذائي
يظهر الانهيار بوضوح في أسعار الغذاء. وصل سعر الدجاج إلى حوالي 148 ألف تومان للكيلوغرام، وسعر البيض تجاوز الحدود الرسمية المُحدَّدة. لكن القصة الأكثر ألمًا تكمن في البقوليات، التي كانت مصدرًا رئيسيًا للغذاء لدى الطبقات الفقيرة. أعلن رئيس اتحاد تجار المواد الغذائية أن 75% من البقوليات أصبحت مستوردة، بعد أن كانت إيران مصدِّرة سابقًا.
هذا التراجع في الإنتاج المحلي، مع انهيار قيمة الريال وسوء الإدارة، أدَّى إلى زيادات جنونية في الأسعار:
الفاصوليا المرقطة: ارتفاع بنسبة 3 أضعاف
الفاصوليا البيضاء والحمراء: ارتفاع ضعفين
الحمص: +70%
العدس: +20%
تحوَّلَت البقوليات، التي كانت بديلاً اقتصاديًا للحوم، إلى رفاهية، مُجْعِلَةً المائدة الإيرانية خالية حتى من أبسط مصادر البروتين.
تحليل هيكلي للتضخم المزمن في إيران ودور النظام في تفاقمه
السياسات الحكومية: تناقضات تُعْمِقُ فقر الفقراء
المُفاجِئُ أن سياسات الحكومة لا تُخفِّفُ الأزمة، بل تُعَزِّزُها. في تناقض مُرعب، بينما تُصْرِفُ ميزانيات هائلة على مؤسسات فاسدة وغير فعالة، تُخطِّطُ الحكومة لإلغاء الدعم عن الأسر التي يبلغ دخلها 30 مليون تومان شهريًا – وهي الأسر التي تُصْنَفُ رسميًّا تحت خط الفقر!
بهذا الإجراء، تُفرِضُ الحكومة ضرائب غير مباشرة على الفقراء لتمويل عجز ميزانيتها الجَمَاحِيِّ، وهو أمر وصَفَهُ أحد المُحَلِّلِينَ بأنه “حتى روبن هود لم يُجْرُؤْ على فعله!”. النتيجة: الفقراء يَزْدَادُونَ فقْرًا، الدولة تَزْدَادُ تضخُّمًا، والمؤسسات الطَّفِيلِيَّةُ تَسْتَمِرُّ في الاستفادة من ميزانية الدولة.
الخاتمة: التضخم كسلاح قمعيٍّ ومحفِّزٌ للثورة الاجتماعية
ما يَحْدُثُ في إيران ليس أزمة اقتصادية عَابِرَةً ناتجةً عن إخْفَاقٍ إداريٍّ، بل تَفَكُّكٌ مُنَظَّمٌ نَاشِئٌ عن هيكل حكم فاسد يَرَى في إِفْقَارِ الشعبِ أداةً لإبْقَائِهِ مُنْشَغِلًا بكَفَاحِ البَقَاءِ ومَنْعِهِ مِنْ المُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ السِّيَاسِيَّةِ. تَحَوَّلَ التَّضَخُّمُ مِنْ مُؤَشِّرٍ إِقْتِصَادِيٍّ إِلَى وَسِيلَةِ قَمْعٍ.
لَكِنَّ التَّارِيخَ يُثْبِتُ أَنَّ هَذِهِ الاسْتِرَاتِيجِيَّةَ تَحْمِلُ بَذُورَ نِهَايَتِهَا. فَالضَّغْطُ الاقْتِصَادِيُّ الشَّدِيدُ، عِنْدَمَا يَتَرَافَقُ مَعَ القَمْعِ السِّيَاسِيِّ وَالْفَسَادِ الْمُسْتَشِيرِ، لَا يُؤَدِّي إِلَّا إِلَى نَتِيجَةٍ وَاحِدَةٍ: تَرَاكُمُ الْغَضَبِ الْاجْتِمَاعِيِّ الَّذِي يَنْتَظِرُ لَحْظَةَ الانْفِجَارِ. إِنَّ الأَرْقَامَ الْمُصْدَرَةَ الْيَوْمَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ إِحْصَاءَاتٍ، بَلْ هِيَ عَدُّ تَنَازُلِيٌّ لِوَقْتِ الْحِسَابِ.








