موقع المجلس:
لم يكن قرار مجموعة العمل المالي الدولية (FATF) بإبقاء النظام الإيراني ضمن قائمتها السوداء للدول عالية المخاطر إجراءً روتينيًا أو ماليًا بحتًا، بل إشارة سياسية حاسمة تعزز عزلة طهران وتكشف فقدانها التدريجي للثقة الدولية في التزاماتها.
بعد سبع سنوات من الخلافات الداخلية الشديدة بين أجهزة الحكم في طهران حول الانضمام إلى اتفاقيتي باليرمو ومكافحة تمويل الإرهاب (CFT)، انتهت المعركة بانحناء مجمع تشخيص مصلحة النظام التابع لخامنئي، الذي أقر بالاتفاقيتين رغم معارضة البرلمان. غير أن هذه الخطوة لم تجلب إلا خيبة أمل جديدة، إذ أعلنت FATF بعد أقل من أسبوع تجديد تصنيف إيران كدولة تشكل خطراً ماليًا عالميًا.
أوضح البيان الصادر في 24 أكتوبر 2025 بوضوح أن النظام الإيراني يستمر في التستر على التزاماته بموجب اتفاقية باليرمو، وأن مستوى التوافق الداخلي مع المعايير العالمية لا يصل إلى الحد الأدنى المطلوب. كما شددت FATF على أن استمرار طهران في تمويل الإرهاب وبرامج الانتشار النووي يفرض على الدول الأعضاء اتخاذ إجراءات دفاعية للحفاظ على سلامة النظام المالي الدولي من مخاطرها.
كانت الضربة قاسية على معسكر خامنئي، لدرجة أن صحيفة “كيهان” المقربة من المرشد لم تجد بديلاً عن الشكوى، متسائلة: “أين راحت وعود أولئك الذين زعموا أن الانضمام إلى FATF سيحل أزمات النظام المصرفي؟”
لم يقتصر الأمر على الإذلال الدبلوماسي. ففي اليوم السابق لبيان FATF، كشفت شبكة تنفيذ الجرائم المالية الأمريكية (FinCEN) عن اكتشافها لنحو 9 مليارات دولار من الأنشطة المصرفية السرية للنظام الإيراني عبر حسابات في بنوك أمريكية، مؤكدة أن هذه العمليات تخدم تمويل برامج التسلح والجماعات الإرهابية التابعة لطهران.
هذا التزامن بين التقرير الأمريكي والدولي يزيل أي غموض: النظام الإيراني يعتمد اقتصاد الظل كوسيلة للاستمرار، رغم كل الادعاءات حول “الشفافية” و”الاستقلال المالي”.
داخليًا، أثار القرار موجة اتهامات جديدة بين فصائل النظام. شن النائب كامران غضنفري هجومًا لاذعًا على مجمع تشخيص مصلحة النظام، متهمًا أعضاءه بتنفيذ “رغبات واشنطن” بموافقتهم على الاتفاقيتين، بينما اعترف الملا ذوالنوري بممارسة النظام لغسل الأموال وتمويل الإرهاب عبر قنوات مصرفية خفية، وصف التصديق على CFT بأنه “إلقاء حبل المشنقة حول عنق النظام”.
بهذا، يواجه خامنئي ونظامه مأزقًا مزدوجًا: رفض المعايير الدولية يعني الاعتراف بتورطهم في تمويل الإرهاب وغسل الأموال، بينما قبولها يكشف شبكات مصالحهم المالية السرية التي تشكل عماد بقائهم.
إبقاء إيران على قائمة FATF السوداء ليس إجراءً عابرًا، بل إعلانًا عن فشل النظام في التأقلم مع شروط الشرعية الدولية، وكشفًا لبنيته المالية المبنية على التهريب والرشاوى وتمويل الحروب بالوكالة.
إنها ليست مجرد صفعة اقتصادية، بل إدانة كاملة لنظام فقد جميع دروعه أمام العالم، وأصبح مكشوفًا أمام الحقائق والأرقام.
مريم رجوي الرئيسة الجمهورية لإيران المستقبل








