موقع المجلس:
لم يعد الحديث عن الفساد في إيران مجرّد دعاية معارضة أو تهمة سياسية تُوجَّه للنظام، بل أصبح حقيقة يعترف بها حتى كبار مسؤوليه. ففي أبريل 2023، اضطرّ علي خامنئي إلى الإقرار بوجود ما وصفه بـ«تنين الفساد ذي الرؤوس السبعة» الذي ينهش مؤسسات الدولة، لكنه سارع إلى التنصّل من تبعات ذلك، مؤكدًا أن «من يقول إن الفساد صار منهجيًا فهو واهم». وبعد عامين، في مايو 2025، كرّر الزعيم الإيراني الخطاب ذاته نافياً وجود «فساد ممنهج في الجمهورية الإسلامية».
لكنّ ما كشفته فضيحة بنك آينده نسف هذه المزاعم من جذورها، وأثبت أن الفساد ليس ظاهرة طارئة، بل هو البنية التي يقوم عليها نظام الملالي برمّته.
الأرقام التي نشرتها صحيفة الجمهورية الإسلامية، ونقلها الخبير الاقتصادي المقرّب من النظام راغفر، تكشف حجم الكارثة. فالبنك مديون بـ717 تريليون تومان لمؤسسات مالية أخرى، واقترض 300 تريليون تومان من البنك المركزي، وسجّل خسائر بلغت 100 تريليون تومان خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024. أما خسائره التراكمية فقد وصلت إلى 500 تريليون تومان، أي ما يعادل 315 ضعف رأسماله الأصلي. هذه المعطيات تجعل البنك مسؤولًا عن نحو 7% من معدّل التضخم في البلاد، أي أنه تسبب في إفقار كل أسرة إيرانية بنسبة مماثلة خلال عام واحد فقط.
ويشير راغفر إلى أن الأموال المهدورة كانت كافية لبناء 120 مستشفى تخصصيًا وإنشاء شبكة سكك حديدية تربط بين طهران ومشهد وشيراز وأصفهان وتبريز، لولا أنها ذهبت إلى جيوب المنتفعين من داخل السلطة. أما الصحيفة، فتؤكد أن المشكلة الحقيقية تكمن في الحماية التي توفرها مؤسسات الدولة لتلك البنوك، إذ تمنحها القروض الضخمة وتمنع محاسبتها، مما يؤدي إلى نشوء شبكات مافيا اقتصادية تنخر جسد الاقتصاد الوطني وتدفع الإيرانيين إلى مزيد من الفقر والمعاناة.
ولم تقف الفضيحة عند حدود بنك آينده، فحتى بنك ملي والبنك المركزي مهددان بالوقوع في مستنقع الفساد ذاته، بحسب ما حذّرت منه الصحيفة نفسها. ومع اتساع هذه الدائرة، يغدو النظام الإيراني بأكمله غارقًا في منظومة فساد متجذّرة يصعب تطهيرها.
ورغم كل ذلك، يصرّ خامنئي، «المرشد الأعلى للفساد»، على إنكار الحقائق، متحدثًا عن «نظام خالٍ من الفساد». غير أن الوقائع والبيانات الصادرة من داخل مؤسساته تبرهن أن الفساد أصبح عنصرًا بنيويًا في الحكم، وأن أي إصلاح اقتصادي حقيقي لا يمكن أن يتم ما لم تُكسر قبضة المؤسسات الحاكمة على مفاصل الاقتصاد.
كما لخّص راغفر المأساة الإيرانية بقوله: «طالما دوّار الفساد قائم في نظام الاقتصاد، فلا أمل في الإصلاح». وهي عبارة تختصر جوهر المشكلة: لا سبيل لإنهاء الفساد دون إنهاء النظام نفسه، لأن الأخير هو مصدر الداء وأساسه. ولذا، يرى كثير من المراقبين أن الخلاص لن يتحقق إلا بقيام نظام جديد يضع ثروات البلاد في خدمة الشعب، لا في حسابات الفاسدين والطغاة.








