موقع المجلس:
تُظهر الأرقام الرسمية التي نشرتها صحيفة آرمان امروز الحكومية عمق الكارثة المعيشية في إيران: 36% من السكان تحت خط الفقر، أي أن 31 شخصًا من كل 100 إيراني يعيشون في ظروف شديدة الصعوبة، بينما ترتفع النسبة في المناطق الريفية والمهمشة لتصل إلى 50%. أمام هذه الحقائق، لم يعد بالإمكان التساؤل عمّا إذا كانت الأزمة سياسية أم اقتصادية؛ فقد اندمجت الأزمـتان في مسار واحد تتحكم به السلطة الحاكمة.
الاقتصاد في إيران لم يعد مجالًا للتنمية أو الإصلاح، بل تحول إلى أداة لفرض السيطرة وضمان بقاء النظام. الفقر، كما تشير المؤشرات، لا ينبع من سوء إدارة بقدر ما هو سياسة مدروسة لخلق مجتمع مقيّد، مرهق، وغير قادر على المطالبة بحقوقه. فعندما يُعلن رسميًا أن “خط الفقر لأسرة واحدة يبلغ 20 مليون تومان”، في حين أن الحد الأدنى للأجور نصف هذا الرقم فقط، فإن ذلك يعكس إرادة ممنهجة لإنتاج الفقر وصناعة الحرمان.

الفقر يبتلع المجتمع… والنظام يروّج الوهم بالأرقام
أحدثت المتحدثة باسم حكومة بزشكيان، فاطمة مهاجراني، موجة غضب واسعة عندما أعلنت بثقة أن «خط الفقر في العام الماضي قدّر بـ6 ملايين و128 ألف تومان للفرد الواحد». تصريحات كهذه لا تعبّر إلا عن محاولات حكومية لتجميل الواقع القاتم الذي يعيشه المواطن الإيراني يوميًا.
في موازنة عام 1403 (2025)، قفز الإنفاق على الأجهزة الأمنية والعسكرية والدعائية إلى مستويات غير مسبوقة، مقابل تدهور تاريخي في مخصصات التعليم والصحة والسكن والرعاية الاجتماعية. الرسالة واضحة: رفاه النظام أولى من حياة الشعب.
الاقتصاد في إيران لم يعد موجهًا لخلق فرص أو دعم الطبقة الوسطى، بل لتكريس قابلية المجتمع للقمع؛ فإضعاف الطبقة الوسطى وتجفيف الأمل الاجتماعي يعدان، في نظر النظام، ضمانة لاستمرار حكمه.
اقتصاد يُبقي الناس أحياء… ولكن بالكاد
يعتمد النظام على الإعانات والبطاقات التموينية كوسيلة لابتزاز الشعب اقتصاديًا. المواطن الذي يطارد لقمة العيش لا يجد الوقت أو القوة للاحتجاج. وهكذا يتحول الإنسان إلى مجرد تابع، يعيش ليبقى فقط.
في إيران اليوم، هناك ملايين من “الفقراء العاملين”؛ أشخاص يعملون بلا توقف ومع ذلك يبقون تحت خط الفقر. هذه الفئة تحديدًا هي الأكثر تهديدًا للنظام لأنها تجمع بين المعاناة والوعي. لذلك يسعى النظام لإبقائها في حالة إنهاك دائم.
الجوع… القتل الصامت
لم يعد القتل في إيران مرتبطًا فقط بالقمع المباشر؛ فـالجوع وسوء التغذية أصبحا وسيلة قتل بطيئة. النظام بهذه السياسة يوجه رسالة للشعب:
“إذا أردت أن تعيش… فابقَ صامتًا.”
عندما تكون الطبقة الوسطى على وشك الاندثار، وعندما يفقد الفقراء ما تبقى لديهم ليخسروه، يصبح الفقر مادة الانفجار الشعبي، لا أداة السيطرة وحدها.
هل يمكن إصلاح هذا الاقتصاد؟
تؤكد الحقائق أن هيكل الاقتصاد الحالي غير قابل للإصلاح ما لم تتغير فلسفة الحكم نفسها. لكن فلسفة ولاية الفقيه قائمة على أن بقاء النظام أهم من حياة الإنسان. لذلك يتم استنزاف البلاد بدل إدارتها، ويُستهلك الشعب بدل خدمته.
وهنا يطرح المجتمع سؤالًا مصيريًا:
من سيصل إلى نهايته أولًا؟ الشعب أم النظام؟
أصوات الغضب ترتفع
احتجاجات متصاعدة للعمال والفئات المهمشة ضد الفساد والجوع
شعارات من قبيل: “لا للشاه ولا لخامنئي” تتردد في الشوارع
اعترافات رسمية تكشف أن الفقر يقتل 356 إيرانيًا يوميًا
كل ذلك يشير إلى أن الاقتصاد أصبح ميدان الصراع السياسي الأكثر خطورة داخل إيران… ومصدر التهديد الأكبر لبقاء النظام ذاته.








