الملا علی خامنئي-
خامنئي ظهر في إطلالته الأخيرة وكأنه يتحدث إلى نفسه متجاهلًا أن ممثليه في الحرس والمساجد يقرعون ناقوس الخطر بشأن انكسار روح الولاء حتى بين أقدم أنصاره.
میدل ایست اونلاین – منی سالم الجبوری:
المرشد الأعلى الإيراني يفتقر إلى مقومات من الواقع ليرتكز عليهاالمرشد الأعلى الإيراني يفتقر إلى مقومات من الواقع ليرتكز عليها
في ظل أحداث وتطورات غير مسبوقة تعصف بإيران التي صار من الواضح أنه تعاني من العزلة والضعف والانقسام، وبعد غياب ملفت للأنظار، خرج المرشد الأعلى علي خامنئي يوم الاثنين 20 أكتوبر/تشرين الأول من عزلته الطويلة، وفي ظهور مفاجئ سعى فيه جهد إمكانه لتقديم نفسه بصورة القائد الممسك بزمام الأمور، من خلال خطاب غلب عليه الطابع الاستعراضي المُغرق في التهويل المناقض للواقع.
في إطلالته بعد أن كثر الحديث عن غيابه عن الظهور، ركز خامنئي على استعراض القوة، وأن إيران في ظل نظامها الحالي لا تزال في كامل قواها، وأنها ليست كما يقول ترامب، مؤكداً على مفردات من قبيل “النصر” و”الثبات”، في وقت يفتقر فيه المرشد الأعلى إلى مقومات من الواقع ليرتكز عليها، ولا سيما عندما يؤكد رفضه لادعاء ترامب بتدمير القدرات النووية لإيران.
لكن، من المفيد هنا التنويه بآخر خطاب ظهر فيه خامنئي قبل خطابه يوم الاثنين الماضي، حيث تحدث فيه عن “الوحدة والتلاحم”، بصورة توحي بأنه يأمر الفصائل المختلفة في النظام الحاكم إلى وحدة الصف ونبذ الاختلاف والانقسام، بيد أن الذي حدث وجرى بعد هذا الخطاب كان على الضد من ذلك تمامًا، إذ سرعان ما تحولت منابر خطب الجمعة إلى ساحات تراشق واتهامات بين أركان وفصائل النظام نفسه.
بهذا الصدد، فقد اعترف أحمد علم الهدى، ممثل خامنئي في مشهد، بأن النظام يواجه “انفصالاً وتمزقاً” بين صفوفه، محذراً من أن “القطيعة الداخلية أصبحت الخطر الأكبر”. لكن هذا الاعتراف لم يمر دون ردود، إذ شن غلام حسين كرباسچي، الأمين العام الأسبق لحزب كوادر البناء، هجومًا مضادًا اتهم فيه بعض المقربين من خامنئي بالانتهازية وانعدام التاريخ النضالي، مؤكدًا أن من يتهم ناطق نوري بالانفصال “لم يقدم واحدًا بالمئة من تضحياته”!
والمثير للانتباه هنا، هو أن علي أكبر ناطق نوري، إحدى الشخصيات الوازنة في التيار المتشدد والرئيس الأسبق للبرلمان، والذي تم ترشيحه من قبل خامنئي نفسه للرئاسة في مواجهة محمد خاتمي في التسعينيات، كان قد أدلى خلال مقابلة حديثة له بتصريحات غير مسبوقة انتقد فيها احتلال السفارة الأمريكية واعتبرها خطأ استراتيجيا فادحًا حيث قال “بعض الأخطاء ارتكبت منذ البداية. على سبيل المثال، من وجهة نظري، كان الاستيلاء على السفارة الأمريكية باعتبارها وكرًا للتجسس خطأ كبيرًا؛ ويبدو أن العديد من مشاكلنا بدأت من تلك النقطة. ألا يوجد في السفارات الأخرى في العالم أقسام للشؤون الاستخباراتية والتجسس؟ لقد احتلوا السفارة هناك، وردت أمريكا بالمثل واستولت على سفارتنا وجمدت أموالنا. ومنذ ذلك الحين، استمرت سلسلة من المشاكل وردود الفعل التي أعتقد أنها نابعة من تلك القرارات الأولية”.
وإذا ما علمنا بأن احتلال السفارة الأميركية كانت بنظر النظام “ثورة ثانية” وإحدى ثوابته، فإن انتقادها بتلك الصورة من قبل إحدى الشخصيات المهمة في النظام والتي تُحسب على الحرس القديم، فإن لذلك معنى عميقًا جدًا يعكس وضعًا سيئًا جدًا في البلاد عمومًا وفي داخل المنظومة الحاكمة تحديدًا، وحتى إنه وفي داخل الحرس الثوري لا تبدو الأمور كما يُرجى لها، حيث تحدث رجل الدين صادقي، ممثل خامنئي هناك وبصورة صريحة عن “توبة” عناصر في النظام حتى من كبار الشخصيات التي كانت تُعد رموزًا للولاء، محذرًا من أن “البعض بدأوا يتراجعون عن الثورة”.
خامنئي الذي حاول التخفيف من وقع ما سردناه آنفًا بالقول إن “الحديث عن يأس الشباب وساوس غير مدروسة”، ظهر وكأنه يتحدث إلى نفسه متجاهلًا أن ممثليه في الحرس والمساجد يقرعون ناقوس الخطر بشأن انكسار روح الولاء حتى بين أقدم أنصاره، والحقيقة أن خطاب خامنئي هذا لم يختلف عن الخطب الأخرى من حيث اعتماده على التركيز على مفردات تؤكد قوة النظام وثباته وجهوزيته لمواجهة أعدائه، إلى الحد الذي تبدو فيه خطبه وكأنها نوع من “سجع الكهان” من حيث اعتمادها على استخدام مجموعة من الجمل المترادفة والمتوازنة التي يتناغم بعضها مع بعض، ويستخدمها الكاهن الذي يدعي معرفة الغيب في قضايا معينة تواجه الأفراد أو الجماعات.








