موقع المجلس:
تعيش إيران أزمة تعليمية متصاعدة تهدد مستقبل أجيالها، إذ تشير التقارير إلى أن ما يقارب المليون طفل ومراهق اضطروا إلى ترك مقاعد الدراسة، بفعل مزيج قاتل من الفقر، وسوء الإدارة، وضعف البنية التعليمية، وتغليب العقيدة على العلم. ويحذر الخبراء من أن البلاد تتجه نحو “جيل ضائع” إذا استمر هذا النهج.
أرقام صادمة: أكثر من 900 ألف طفل خارج المدارس
أعلن نائب رئيس لجنة التعليم في مجلس النظام الإيراني، محمد مولوي، أن عدد الطلاب المتسربين بلغ نحو 911 ألفًا، بينهم 400 ألف في المرحلة الابتدائية.
وفي تأكيد لذلك، أشار وزير التعليم علي رضا كاظمي إلى أن ما يقارب 950 ألف طالب تركوا مدارسهم، مرجعًا الأسباب إلى الفقر، والمرض، والهجرة، ورداءة البنية التحتية للمؤسسات التعليمية.

المناطق الريفية الأكثر تضررًا
تتفاقم المأساة في القرى والأطراف النائية، حيث تغيب المدارس الثانوية تمامًا. ففي أربع قرى قرب الأهواز، يسكنها أكثر من ثلاثة آلاف شخص، لا توجد أي مدرسة ثانوية، ما اضطر 42 طالبًا إلى التوقف عن التعليم. كما يواجه أطفال آخرون رحلات خطرة يوميًا للوصول إلى مدارس بعيدة، وهو ما يدفع كثيرًا من الأسر إلى منعهم من الذهاب خوفًا على سلامتهم.

الفقر واللامساواة وراء التسرّب
يؤكد علي زرافشان، مستشار وزارة التعليم، أن الفقر المزمن، وانعدام المساواة، والهجرة، ونقص التمويل تشكل الأسباب الجوهرية لارتفاع معدلات التسرب.
وتحتل محافظة خوزستان، التي تضم أكثر من مليون طالب، المراتب الأولى في نسب التسرب إلى جانب سيستان وبلوشستان وطهران وخراسان رضوي، وفق البيانات الرسمية.
زيادة مستمرة في معدلات الانقطاع
أظهرت تقارير رسمية أن عدد المتسربين ارتفع بنسبة 17% خلال السنوات الست الأخيرة. كما أكد نائب وزير التعليم لشؤون التعليم الابتدائي أن العام الدراسي 2023–2024 شهد تسرب 164 ألف طفل إضافي.
وتشير رضوان حكيم زاده، نائبة الوزير، إلى أن الفقر، والتحفظ الأسري، والهجرة، وبعد المدارس، وغياب الوثائق الرسمية لدى بعض الأسر، جميعها عوامل تفاقم المشكلة وتُبقي آلاف الأطفال خارج الإحصاءات الرسمية.
توظيف أيديولوجي يهدد جودة التعليم
تتجاوز الأزمة الجانب الاقتصادي إلى أزمة في الكفاءة المهنية داخل المدارس. فبحسب محمد داوري، المتحدث باسم منظمة المعلمين الإيرانيين، بات النظام يفضل تعيين رجال دين وموالين سياسيًا على حساب المعلمين المؤهلين أكاديميًا.
وأشار داوري إلى أن الولاء الديني والسياسي أصبح معيارًا أساسيًا للتوظيف، في حين يتم تجاهل الجوانب النفسية والتربوية، مما أدى إلى تراجع خطير في جودة التعليم. وروى داوري حادثة رفض متقدمة متميزة لأن “حجابها لم يكن محكمًا بما فيه الكفاية”، معتبرًا ذلك مثالًا صارخًا على التمييز الأيديولوجي.
تركيز حكومي على العقيدة بدل الإصلاح
رغم التدهور الواضح، صرّح وزير التعليم مؤخرًا بأن أولويات وزارته لا تتمثل في تحسين جودة التعليم، بل في “تعزيز الصلاة والقرآن والهوية الدينية والوطنية”. كما أعلن عن إدخال مواد تمجد “الشهداء” وبرامج الصواريخ الإيرانية ضمن المناهج الدراسية، ما أثار انتقادات واسعة من المعلمين والنواب الذين رأوا في ذلك تحويلًا لموارد التعليم نحو الدعاية السياسية بدل معالجة التحديات الأساسية.
انقسام طبقي وتعليم متهالك
شبه النائب محمد رضا صباغيان نظام التعليم الحالي بالنظام الطبقي في العصور الساسانية، حيث يدرس أبناء الأثرياء في مدارس خاصة تتقاضى مبالغ ضخمة، بينما يتكدس 80% من الطلاب في مدارس حكومية متهالكة تفتقر إلى أبسط الإمكانات.
وأظهرت بيانات البرلمان أن متوسط المعدل التراكمي للطلاب الإيرانيين انخفض إلى ما بين 9 و12 من 20، ما يعكس تراجعًا كبيرًا في مستوى التحصيل الدراسي على المستوى الوطني.
نهاية تنذر بالخطر
إن أزمة التعليم في إيران لا تعكس مجرد ضائقة اقتصادية، بل تكشف عن سياسات ممنهجة تقوم على الإهمال وسوء الإدارة والتسييس المفرط. ومع حرمان نحو مليون طفل من حقهم الأساسي في التعليم، يصبح مستقبل البلاد على المحك.
وإذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة وشاملة، فقد تجد إيران نفسها أمام جيل ضائع بالكامل، محاصر بالفقر والجهل، ومجرد من الأدوات التي تمكّنه من بناء مستقبل أفضل.








