موقع المجلس:
في سجل الثورة الإيرانية الحديثة، يبرز يوم 22 أكتوبر كأحد المنعطفات التاريخية الفارقة، لا بوصفه تاريخًا سياسيًا فحسب، بل باعتباره لحظة وعي جمعي تجسدت فيها إرادة التغيير. ففي هذا اليوم من عام 1993، اتخذ المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية قرارًا تاريخيًا بانتخاب السيدة مريم رجوي رئيسةً للجمهورية خلال الفترة الانتقالية، ليقدّم بذلك إجابة عملية على السؤال الأهم في مسيرة الشعب الإيراني: ماذا بعد إسقاط الاستبداد؟
خلاصة أربعة عقود من النضال
لم يكن انتخاب مريم رجوي وليد لحظة سياسية عابرة، بل تتويجًا لمسار طويل من النضال والمقاومة. فالشعب الإيراني، الذي جرّب على مدى قرن أشكالًا متعددة من الحكم الاستبدادي، عرف جيدًا ما لا يريد، لكنه كان يبحث عن رؤية واضحة لما يريد. ومن هذا الفراغ التاريخي وُلد استبداد جديد على يد خميني.
تعلّمت المقاومة الإيرانية من تلك التجارب أن أي ثورة لا يمكن أن تثمر حريةً حقيقية من دون قيادة منظمة وبرنامج واضح، ومن هنا تأسس المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية عام 1981 كبديل سياسي شامل، قبل أن يختار بعد اثني عشر عامًا، في 22 أكتوبر 1993، قيادةً مجسدة في مريم رجوي.
لقد مثّل هذا الاختيار إعلانًا صريحًا بأن البديل الديمقراطي موجود، وأن هناك برنامجًا وهيكلًا ووجهًا يعبر عن تطلعات الأمة. لم تصل مريم رجوي إلى موقعها بوصفها فردًا، بل رمزًا لأربعة عقود من النضال ضد نظامين دكتاتوريين، وامرأة تحدّت تقاليد السياسة الذكورية في الشرق الأوسط لتقود حركةً قدّمت الحرية بالعمل والتضحية لا بالشعارات.
إحياء الذكرى في مدن إيران
في الذكرى السنوية لانتخابها، لم يعد يوم 22 أكتوبر مجرد حدث سياسي، بل أصبح مناسبة تعبّر فيها وحدات المقاومة داخل إيران عن حضورها الميداني الحي. ففي طهران وأصفهان وشيراز وكرج ومشهد وزاهدان وغيرها، نُظمت فعاليات ميدانية رُفعت فيها لافتات وشعارات منها:
«مريم شمسنا الساطعة، أمل الشعب الإيراني»
«يمكن ويجب»
«المرأة، المقاومة، الحرية»
في جبال شيراز صدحت أصوات النساء بشعار الحرية، وفي فولادشهر جدد الشباب عهدهم للمقاومة بعبارة «قسمًا بدماء الرفاق، صامدون حتى النهاية». أما في طهران، فقد زُيّنت الجدران بعبارات مثل «مريم رجوي، رمز إيران الغد الحرة».
وفي مشهدٍ لافت، نفّذت وحدات المقاومة في العاصمة عرضًا بالدراجات النارية متحدّيةً أجواء القمع والإعدامات المتصاعدة، في خطوة رمزية تهدف إلى كسر حاجز الخوف وتأكيد استمرار الحراك الثوري.
الأمل يولد من قلب القمع
تعكس هذه التحركات الميدانية التطور الكمي والنوعي في نشاط وحدات المقاومة، التي باتت تمثل جيلًا جديدًا يصنع الأمل في مواجهة الانسداد السياسي. من هذا المنطلق، يغدو يوم 22 أكتوبر أكثر من مجرد ذكرى؛ إنه حدث روحي يرمز إلى قدرة الإيرانيين على النهوض من اليأس إلى الأمل، ومن القهر إلى الحرية.
السيدة مريم رجوي، في هذا السياق، لا تُعتبر فقط رئيسة للفترة الانتقالية، بل تجسيدًا لمعنى «الانتقال من اليأس إلى الأمل». فصدى شعارات «يمكن ويجب» و«المرأة، المقاومة، الحرية» يتردد اليوم في أصوات النساء السجينات والشباب الثائرين، ليؤكد أن الحلم ما زال حيًا في الوعي الجمعي للأمة.
بشارة البديل والجمهورية الديمقراطية
يُعدّ يوم 22 أكتوبر علامة فارقة في الوعي الوطني الإيراني؛ فهو إعلان عن ميلاد مشروع سياسي بديل قائم على الحرية والديمقراطية. وإذا كان القرن العشرون قد شهد البحث عن الحرية دون الوصول إليها، فإن القرن الحادي والعشرين قد يبدأ بالجواب الذي قدّمته المقاومة الإيرانية: بديل منظم ببرنامج وقانون وقيادة، لا تسعى إلى الهيمنة بل إلى خدمة الشعب.
ولهذا، فإن إحياء ذكرى هذا اليوم في المدن والقرى الإيرانية ليس مجرد احتفال رمزي، بل تعبير عن استمرار روح الثورة في وجه القمع. كل شعار ولافتة تُرفع في هذا اليوم تمثل نبضًا من ضمير أمة تريد أن تنهض وتستعيد حريتها.
إنه يوم الأمل، يوم النور في وجه ظلام الاستبداد، يوم العزم في وجه اليأس. في هذا اليوم تتجسد رؤية المستقبل: إيران حرة وديمقراطية، تتجسد ملامحها في إصرار الجيل الثائر، وفي نظرة مريم رجوي التي تحمل دفء الإيمان بقدرة الإنسان على التغيير.
إنه باختصار يوم انتخاب مريم رجوي… يوم ميلاد الجمهورية الديمقراطية في أفق إيران الحرة.








