اشتباکات بالایدي فی البرلمان الایراني-آرشیف-
موقع المجلس:
تشهد بنية السلطة في إيران خلال السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في الصراعات الداخلية بين مختلف أجنحة النظام. هذه الخلافات، التي تتراوح بين الأيديولوجي والاقتصادي والسياسي، لم تعد تقتصر على التباين التقليدي بين ما يُعرف بالإصلاحيين والمحافظين، بل امتدت إلى داخل المعسكر المحافظ ذاته، في دلالة على تفكك متزايد في مركز القرار.
أحدث تجليات هذا الانقسام تمثلت في الجدل العلني بين كلٍّ من علي أكبر ناطق نوري، وأحمد علم الهدى، وغلام حسين كرباسجي حول تقييم حادثة احتلال السفارة الأمريكية في طهران عام 1979. هذا السجال، الذي انتشر على نطاق واسع في وسائل الإعلام والمنابر الرسمية، لم يكن مجرد نقاش تاريخي، بل مؤشر على أزمة أعمق تهزّ موقع الولي الفقيه علي خامنئي وهيمنته على مفاصل النظام.
الانقسام حول الاتفاق النووي: أزمة القرار في طهران
كشفت التطورات الإقليمية الأخيرة، مثل سقوط الديكتاتورية في سوريا ووقف إطلاق النار في غزة، عن تصدّع متزايد في عملية صنع القرار داخل النظام الإيراني. فقد أظهرت تلك الأحداث بوضوح الانقسام الحاد بين أجنحة السلطة حول كيفية التعاطي مع المتغيرات الدولية، وخاصة ملف الاتفاق النووي والعلاقة مع الغرب.

ناطق نوري وكسر الخطوط الحمراء
أشعل الشرارة الأولى لهذا الجدل علي أكبر ناطق نوري، الرئيس الأسبق للبرلمان وأحد رموز التيار المحافظ، بتصريحاته الجريئة في مقابلة حديثة وصف فيها احتلال السفارة الأمريكية بأنه “خطأ استراتيجي جسيم”.
قال نوري:
“من وجهة نظري، كان الاستيلاء على السفارة الأمريكية باعتبارها وكرًا للتجسس خطأً كبيرًا، وقد بدأت كثير من مشاكلنا من تلك اللحظة… احتلت أمريكا سفارتنا وجمّدت أموالنا، ومنذ ذلك الحين استمرت سلسلة من الأزمات الناتجة عن تلك القرارات الأولى.”
(موقع انتخاب، 12 أكتوبر 2025)
بهذه الكلمات، خرق نوري أحد أقدس “المحرمات الأيديولوجية” للنظام، إذ طالما رُوِّج لاحتلال السفارة باعتباره “الثورة الثانية”. ويرى مراقبون أن تصريحه جاء في سياق محاولات جناح براغماتي داخل النظام لتبرير الانفتاح على واشنطن وتخفيف حدة العقوبات الخانقة.
الرد المتشدد: دفاع أعمى عن الرواية الرسمية
ردّ أحمد علم الهدى، إمام جمعة مشهد وممثل خامنئي في خراسان، بعنف على تصريحات ناطق نوري، متهمًا إياه بـ”الابتعاد عن مبادئ الثورة”. وأكد في خطبته:
“للأسف، بعض الأعزاء فقدوا صبرهم أو انقطعوا عن الثورة ليقولوا: لو لم نحتل السفارة الأمريكية لما واجهنا هذه المشاكل.”
(موقع فرارو، 17 أكتوبر 2025)
يمثل هذا الرد تمسك الجناح المتشدد بالرواية الرسمية للنظام، ورفضه لأي مراجعة تاريخية يمكن أن تهزّ أسس الخطاب المعادي للغرب الذي قامت عليه شرعية النظام منذ عام 1979.
كرباسجي يدخل المعركة: دفاع عن ناطق نوري
وفي تصعيد إضافي، دافع غلام حسين كرباسجي، الأمين العام الأسبق لحزب کارکزاران والمقرّب من التيار الإصلاحي البراغماتي، عن تصريحات ناطق نوري، موجّهًا نقدًا لاذعًا إلى علم الهدى دون أن يسمّيه صراحة:
“الذين يهاجمون اليوم مواقف السيد ناطق بشأن احتلال السفارة، لم يكن لهم أي دور في الثورة، والآن يتحدثون من فوق المنابر وكأنهم حراسها.”
(موقع بهار نيوز، 18 أكتوبر 2025)
بهذا الموقف، تحوّل الجدل إلى صراع بين جناحين داخل النظام:
• جناح براغماتي واقعي يدعو إلى مراجعة السياسات الخارجية والاعتراف بالأخطاء لتخفيف العزلة الدولية.
• جناح أيديولوجي متشدد يرى أن أي تشكيك في الخطاب الثوري هو طعن مباشر في شرعية خامنئي والنظام بأسره.
صراع في البرلمان: انعكاس للفوضى السياسية
لم يقتصر هذا التناحر على السجالات الإعلامية، بل تجلى كذلك في جلسات البرلمان، التي تحولت في الأسابيع الأخيرة إلى ساحة لتبادل الاتهامات حول الأوضاع المعيشية المتدهورة، وارتفاع الأسعار، والضغوط الأوروبية بشأن “آلية الزناد”. هذا التراشق اللفظي بين نواب التيار المتشدد والمحسوبين على الحكومة يعكس حالة “صراع الذئاب” داخل مؤسسات النظام نفسه.
تآكل هيمنة خامنئي وتصدع النظام
تدل هذه الخلافات المتصاعدة على أن النظام الإيراني يعيش مرحلة غير مسبوقة من الانقسام الداخلي. فالأجنحة المتصارعة، التي تتنافس على النفوذ السياسي والسيطرة على الموارد الاقتصادية، باتت عاجزة عن توحيد رؤيتها أو الحفاظ على الحد الأدنى من الانسجام تحت قيادة خامنئي.
خامنئي، الذي اعتاد لعب دور الحكم بين الفصائل المتناحرة، يجد نفسه اليوم أمام مشهد متفجر داخليًا وخارجيًا، مع تراجع قدرته على احتواء الخلافات أو فرض الانضباط السياسي. ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية وتصاعد السخط الشعبي، يبدو أن بنية النظام التي حافظت لعقود على تماسكها الأمني والدعائي بدأت تتآكل من الداخل.
إن استمرار هذا المسار من التصعيد والانقسام قد يقود في النهاية إلى أزمة وجودية تهدد كيان النظام نفسه، وتضع مستقبل ولاية الفقيه أمام اختبار غير مسبوق منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية.








