موقع المجلس:
شهدت مدن عدة في إيران، يوم الاثنين 20 أكتوبر 2025، موجة احتجاجات واسعة شملت شرائح اجتماعية مختلفة. وقد كانت تحركات متقاعدي شركة الاتصالات الأبرز، إذ نظموا تجمعات متزامنة في زنجان، أصفهان، كرمانشاه، همدان، بيجار، مريوان، شيراز، تبريز، سنندج، طهران، والأهواز. وفي الوقت نفسه، خرجت احتجاجات في مدينتي إيلام والأهواز شارك فيها عمال البتروكيماويات والكادر التمريضي، فيما نظم متقاعدو هيئة الإذاعة والتلفزيون في طهران وقفة مماثلة. وتعكس هذه التحركات المتزامنة عمق الأزمة المعيشية واستفحال الغضب الشعبي من تفشي الفساد داخل المؤسسات المرتبطة مباشرة بمكتب المرشد علي خامنئي.
انتفاضة متقاعدي الاتصالات: صرخة ضد النهب المؤسسي
تميّزت احتجاجات هذا اليوم بتنسيق وطني غير مسبوق بين متقاعدي شركة الاتصالات، الذين خرجوا في وقت واحد في عشرات المدن للتعبير عن استيائهم من استيلاء جهات حكومية وشبه حكومية على شركتهم وصندوق تقاعدهم.
وقد توحّدت مطالبهم في جميع المناطق، وتمحورت حول تنفيذ اللوائح الرسمية المعطلة مثل القرار 89/24، وتحسين خدمات التأمين التكميلي الذي فقد جدواه، إلى جانب رفع بدل المعيشة والغذاء ليتناسب مع الأسعار الحالية.
ويؤكد المحتجون أن حقوقهم، التي كسبوها بعد سنوات طويلة من الخدمة، تُنتهك لصالح مصالح المساهمين الكبار.
أما شعاراتهم، فقد عكست غضبًا عارمًا وشعورًا بالخذلان. ففي طهران، ردّد المتقاعدون بسخرية: “حسين حسين شعارهم، والسرقة والكذب عملهم!”، في إشارة إلى ما يعتبرونه نفاقًا في خطاب المسؤولين. وعبّر آخرون في مدن مختلفة عن تصميمهم على مواصلة الاحتجاج حتى استعادة حقوقهم كاملة.
ويعتقد متقاعدو الاتصالات أنهم ضحايا عملية “خصخصة شكلية”، جرى بموجبها نقل ملكية شركة اتصالات ناجحة إلى مؤسسات تابعة للنظام لا تسعى إلى تطويرها، بل إلى استنزاف مواردها، بما في ذلك صندوق التقاعد الذي يمثل مدخراتهم.
ويشير مراقبون إلى أن الأزمة الحالية هي نتيجة مباشرة لهيمنة مؤسسات مثل “هيئة تنفيذ أمر خميني” و**”مؤسسة تعاون الحرس الثوري”** على قطاعات اقتصادية حيوية. فهاتان المؤسستان، اللتان تعملان بإشراف خامنئي المباشر، تتمتعان بحصانة مطلقة وتتصرفان خارج أي رقابة قانونية، وقد استحوذتا على الشركات الرابحة وحولتا صناديق التقاعد إلى مصادر تمويل لمشاريعهما وأجندات النظام، مما تسبب في إفلاس تلك الصناديق ودفع المتقاعدين إلى حافة الفقر.

احتجاجات العمال والكوادر الصحية
امتدت رقعة الغضب لتشمل قطاعات أخرى. ففي محافظة خوزستان، نظم الممرضون في الأهواز وقفة احتجاجية أمام مبنى المحافظة، مطالبين بتحسين الرواتب المتدنية وصرف المستحقات المتأخرة، والتوقف عن فرض ساعات العمل الإضافي الإجباري. وتأتي هذه الوقفة امتدادًا لتحركات مشابهة شهدتها مدينة كرمانشاه، حيث رفع المشاركون شعارًا لافتًا: “كفى وعودًا.. موائدنا فارغة!”.
وفي إيلام، تجمع موظفو شركة البتروكيماويات أمام مكتب العمل احتجاجًا على تأخر صرف مستحقاتهم من قبل الشركات المتعاقدة، في مشهد يعكس هشاشة حقوق العمال في القطاع الصناعي. أما في طهران، فقد خرج متقاعدو هيئة الإذاعة والتلفزيون في وقفة أمام مبنى الهيئة للمطالبة بإنصافهم وصرف مستحقاتهم المتأخرة، ما يدل على أن الغضب الشعبي وصل حتى إلى داخل مؤسسات النظام الإعلامية نفسها.
تُظهر هذه الموجة الواسعة من التحركات، وخاصة انتفاضة المتقاعدين، أن شرائح واسعة من الشعب الإيراني باتت تدرك بوضوح أن جذور الأزمة تكمن في البنية الاقتصادية والسياسية للنظام ذاته. فلم تعد المواجهة مع وزارات أو مسؤولين فرعيين، بل مع الهيكل المالي والأمني الذي يسيطر عليه مكتب خامنئي.
إن استمرار هذه الاحتجاجات وتزامنها في عشرات المدن دليل على وعي متزايد لدى الشارع الإيراني بأن الوعود بالإصلاح لم تعد تقنع أحدًا، وأن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا بتفكيك منظومة الفساد التي تمسك بمفاصل الدولة.








