موقع المجلس:
في يوم الاثنين 13 أكتوبر، اتجهت أنظار العالم نحو مشهدين متوازيين في الشرق الأوسط: فلسطين وإسرائيل من جهة، ومدينة شرم الشيخ المصرية من جهة أخرى. فبعد حربٍ استمرت عامين وخلّفت عشرات الآلاف من الضحايا بين الفلسطينيين، شهدت المنطقة حدثًا مفصليًا تمثل في إطلاق سراح 20 رهينة إسرائيلية مقابل 1966 سجينًا فلسطينيًا، ما اعتُبر مؤشرًا على نهاية مرحلة دامية وبداية تحوّل سياسي كبير في المنطقة.
وقد استُقبل هذا التطور بموجة ترحيب واسعة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، تعبيرًا عن رغبة شعوب المنطقة في طي صفحة الحرب والبحث عن سلام طال انتظاره.
في هذا السياق، زار الرئيس الأمريكي إسرائيل قبل أن يتوجه إلى مصر للمشاركة في “قمة شرم الشيخ للسلام”. وقال ترامب للصحفيين أثناء رحلته الجوية:
“شهدنا خلال اليومين الماضيين مشهدًا غير مسبوق؛ مئات الآلاف في إسرائيل، والدول العربية والإسلامية كلها تبتهج في الوقت ذاته. إنه أمر لم يحدث من قبل، فعادة ما يكون فرح طرفٍ على حساب حزن الآخر، أما الآن فالجميع سعداء”.
وأضاف أن “اتفاق السلام في غزة قد يكون أهم إنجاز شاركت فيه على الإطلاق”، مشيرًا إلى أن تنوع الدول المشاركة في القمة يعكس وحدة دولية غير مسبوقة حول خطة السلام، وأن حضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس يشكّل خطوة إيجابية نحو تثبيت هذا المسار.
وفي تلميح إلى الموقف الإيراني المعارض للسلام الإقليمي، قال ترامب إن “الضربات الحاسمة التي وُجّهت لإيران كانت عاملاً حاسمًا في إطلاق سراح الرهائن”، مؤكدًا أن “إزالة الغموض عن برنامج إيران النووي مكّنت الدول العربية والإسلامية من التوحد حول هدف السلام في غزة”.
وخلال كلمته في البرلمان الإسرائيلي، شدّد الرئيس الأمريكي على أن بلاده “منعت النظام الإيراني، الراعي الأكبر للإرهاب، من امتلاك أخطر أسلحة في العالم”.
وفي حين كانت المنطقة تعيش لحظة نادرة من التفاؤل بعد وقف إطلاق النار وقمة شرم الشيخ، كان القلق يخيّم على طهران، حيث تابعت قيادة النظام الإيراني هذه التطورات بخوفٍ بالغ، إذ رأت فيها تهديدًا مباشرًا لمشروعها الإقليمي.
قبل عامين فقط، كان علي خامنئي يراهن على إشعال الحروب لإخماد احتجاجات الداخل الإيراني وتعزيز نفوذه في المنطقة. إلا أن مسار السلام الجديد نسف هذه الحسابات وأثار الذعر داخل أوساط نظام ولاية الفقيه.
الصحف الإيرانية المقرّبة من النظام عكست بوضوح هذا القلق. فقد كتبت صحيفة جمهوري إسلامي تحت عنوان “هل كان لهذا الطوفان فائز؟” أن “عملية طوفان الأقصى كانت خطأً فادحًا، إذ أدت إلى خسائر استراتيجية كبيرة أبرزها تمدد النفوذ الإسرائيلي في سوريا وجنوب لبنان، وصعود حكومة موالية للغرب في بيروت”.
أما صحيفة ستاره صبح فقد نشرت مقالاً بعنوان “شرق أوسط جديد ضد إيران”، اعتبرت فيه أن “دخول إيران في الصراع العربي-الإسرائيلي بعد انسحاب الدول العربية منه كان قرارًا خاطئًا ومكلفًا”، مشيرة إلى أن “الدول العربية اليوم تدعم خطة السلام التي طرحها ترامب المكونة من 20 بندًا، وأن حتى حركة حماس نفسها قدّمت الشكر للرئيس الأمريكي”.
ورأت الصحيفة أن طهران تقف أمام “مفترق طرق حاسم”، بعد أن خسرت أدوات نفوذها الإقليمية واحدة تلو الأخرى — من حماس إلى حزب الله، مرورًا بالحوثيين والحشد الشعبي — معتبرة أن إيران باتت مطالبة إما بمواصلة نهجها القديم رغم كلفته الباهظة، أو بإعادة النظر والقبول بمسار السلام الجديد.
في المحصلة، أظهرت قمة شرم الشيخ أن الشرق الأوسط يدخل مرحلة إعادة تشكّل كبرى، وأن الخاسر الأكبر في هذا التحوّل هو النظام الإيراني الذي بنى مشروعه على الفوضى والصراعات. فـ “رأس الأفعى” الذي اعتاد تحريك الأزمات من بعيد، وجد نفسه اليوم معزولًا في مواجهة سلامٍ لا مكان فيه لمنطق الحرب والابتزاز.








