صورة للاحتجاجات الشعبة في ایران-
وكالة حمورابي الاخبارية الدولية-
عبدالرزاق الزرزور
محامي وناشط حقوقي وسياسي سوري:
لم تعد إيران تعيش أزمة واحدة يمكن للنظام احتوائها.. بل تواجه مجموعة متداخلة من الانهيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية؛ تتفاعل جميعها كقنبلة موقوتة تحت جسد نظام ولاية الفقيه، ولم يشهد التاريخ الإيراني الحديث لحظةً يتقاطع فيها هذا الكمّ من الأزمات في وقتٍ واحد كما يحدث اليوم.. فكلّ مفصلٍ من مفاصل الدولة من الاقتصاد إلى السلطة، ومن الشارع إلى السياسة الخارجية – يئنّ تحت وطأة الانفجار المقبل.
اختناق داخلي وانقسام في قمة السلطة
لم تعد التناقضات خفية داخل هرم الحكم.. فالصراع على الخلافة والانقسامات بين أجنحة النظام، وتآكل الثقة المتبادلة بين الأجهزة الأمنية والسياسية كلّها مؤشرات على تفكّكٍ بنيوي عميق خاصة في ظلّ التدهور الاقتصادي غير المسبوق حيث تجاوز التضخم 60% وانهارت العملة الوطنية إلى مستوياتٍ قياسية إلى حيث تتسع الهوّة بين الحاكم والمحكوم حتى بات المجتمع والنظام كعالمين منفصلين لا يجمع بينهما سوى الخوف والغضب . اليوم يعيش ملايين الإيرانيين تحت خط الفقر بعدما أضيف أكثر من عشرة ملايين مواطنٍ جديد إلى صفوف المعدمين خلال عامين فقط، ووفق اعترافات بعض خبراء النظام فإن هذا التطور «يشكل خطرًا وجوديًا على استقرار البلاد».. لكنّ الخطر الحقيقي ليس الفقر بحدّ ذاته بل الوعي المتنامي لدى الشعب بأنّ هذا الفقر صناعة سياسية مقصودة لضمان بقاء الطغمة الحاكمة.
شرارة الغضب في الشارع
في مدنٍ كشيراز وكازرون وأصفهان، لم تعد الشعارات اقتصادية أو مطلبية.. فالهتافات التي دوّت في الشوارع :
«حرية – حرية – حرية»
و«الإيراني يموت ولا يقبل الذل»،
وتعبّر هذه الهتافات عن تحوّلٍ نوعي في المزاج الشعبي من الاحتجاج إلى الانتفاض. كان ردّ النظام متوقعًا:
استعراضٌ عسكري لما يسمى بالحرس الثوري، وإرسال وحدات أمنية إضافية إلى المدن المشتعلة، ونصب عشرات الحواجز الأمنية .. لكنّ هذه الإجراءات لم تُظهر قوة النظام بل عرّت حجم خوفه من
انتفاضةٍ لا يمكن السيطرة عليها.
كابوس الانتفاضة في عقل الولي الفقيه
تزامن تصاعد الاحتقان الداخلي مع عزلةٍ دولية متنامية للنظام خصوصًا بعد انكشاف دوره في إشعال الحروب الإقليمية.. وفشل سياساته في فلسطين وسوريا واليمن جعل حتى حلفاء الأمس يتجنّبون الدفاع عنه علنًا.. بينما ازدادت الضغوط الاقتصادية والعقوبات الدولية، وفي خضم هذا الطوق الخانق لجأ النظام إلى سلاحه الأقدم :
الإعدامات الجماعية ؛ فعدد المحكومين بالإعدام يرتفع شهريًا في مشهدٍ يعكس الهلع من انفجارٍ داخلي وشيك، وما هذه الإعدامات بتعبيرٍ عن قوة الردع بل وثيقة إدانة تظهر عجز النظام وخوفه من الغد.
عزلة خارجية وانهيار مشروع التوسع
خارج الحدود تترنح سياسة النظام التوسعية.. مشروعه الإقليمي الذي استنزف مليارات الدولارات لم يعد قادرًاعلى إخفاء فشله، وفي لبنان والعراق واليمن وتراجعت هيمنته تحت ضغط الشعوب الغاضبة من تدخّلاته، وفي سوريا فقد نفوذه تدريجيًا أمام القوى الدولية والإقليمية المنافسة، وقد جعلت هذه الانتكاسات المرشد علي خامنئي يعيش تحت رعب كابوسٍ مزدوج السقوط الخارجي والانفجار الداخلي وكلّما اشتدّ الضغط زاد تمسكه بسياسة القمع الدموي.
المجتمع الإيراني… ساعة الصفر
حتى الصحافة الرسمية لم تعد قادرة على إخفاء حجم الغليان الشعبي ..، وتتحدث مقالات نُشرت في الصحف الحكومية نفسها تتحدث عن «استياءٍ متصاعد تحت جلد المدن»، وعن «تآكل الصبر الاجتماعي » ، وفي أحد المقالات بتاريخ 29 مرداد جاء التحذير الصريح :
«الأزمات المعيشية استنزفت قدرات وطاقات العائلات، ومع انقطاع الماء والكهرباء فإن الاستياء الصغير والمبعثر سيتحول عاجلًا أم آجلاً إلى موجة اجتماعية عارمة».
هذا التحذير لا يأتي من معارضي النظام لا بل من داخل بيته الإعلامي ما يعني أنّ الانفجار أصبح مسألة وقتٍ لا أكثر؛ فحين تتجمّع كلّ هذه العوامل
القمع، الفقر، الفساد، والخذلان الدولي تتحوّل من شرارة صغيرة إلى حريقٍ وطني شامل.
نهاية مرحلة وبداية أخرى
تقف إيران اليوم عند تقاطع غير مسبوق من التاريخ؛ تقاطعٍ بين الخناق والتناقض والغضب واليقظة، ولم يعد بإمكان النظام ترميم جدرانه المتصدعة، ولم يعد بإمكان المجتمع أن يعيش تحت سقف الخوف ذاته. إنّ كابوس الانتفاضة الذي يطارد الولي الفقيه كلّ ليلة ليس مجرّد احتمالٍ سياسي، بل حقيقةٌ تقترب من التحقق، وكما قالت السيدة مريم رجوي في أكثر من مناسبة :
«الملالي أرادوا رسم مصيرنا بالمشانق.. لكن الشعب سيكتب مصيره بالحرية ».
إنّ هذه اللحظة التاريخية التي تشتدّ فيها الأزمات من كلّ جانب قد تكون ساعة الصفر نحو التغيير قد حانت حين يغيّر التاريخ مساره فجأة ويطوي صفحة نظامٍ لم يعرف سجله الأسود سوى القمع والموت.