احراق احدی محطات البنزین في ایران-آرشیف-
موقع المجلس:
في مؤشر جديد على عمق الأزمة المالية التي تضرب أركان النظام الإيراني، لجأ نظام الملالي إلى حيلة جديدة تتمثل في رفع أسعار البنزين تدريجيًا، في محاولة يائسة لسد العجز الهائل في ميزانيته المنهارة، متجاهلًا الظروف المعيشية القاسية التي تثقل كاهل المواطنين.
ففي 11 أكتوبر 2025، كشفت وسائل إعلام حكومية، منها موقع “اقتصاد أونلاين”، أن مجلس الوزراء صادق على قرار يقضي بزيادة أسعار البنزين “بشكل تدريجي”. ويستند القرار إلى مصادقة سابقة تمت في 18 سبتمبر 2024، قبل أن يتم إبلاغه رسميًا في 5 أكتوبر 2025. ويبرر النظام هذه الخطوة بالرغبة في تقليص الفجوة السعرية بين البنزين والغاز الطبيعي المضغوط (CNG) بهدف “تشجيع” المواطنين على استخدام الوقود البديل.
لكن خلف هذا التبرير التقني، يختبئ الهدف الحقيقي: تمرير الزيادة تدريجيًا لتفادي صدمة الشارع، ومحاولة امتصاص الغضب الشعبي الذي قد يتفجر كما حدث في انتفاضة نوفمبر 2019 حين أدت الزيادة المفاجئة في أسعار الوقود إلى احتجاجات واسعة سُحقت بعنف دموي. ويراهن النظام على أن “الرفع البطيء” سيحدّ من “المقاومة الاجتماعية”، إذ سيتحمل المواطنون عبء الزيادة بشكل متدرج.
وبالإضافة إلى ذلك، نص القرار على تحميل المستهلكين تكاليف نقل الوقود وعمولات المحطات، ما يعني أن العبء المالي الفعلي سيكون أثقل مما يصرح به النظام.
اعترافات من داخل النظام: الإفلاس هو الدافع الحقيقي
لم تمضِ ساعات على الإعلان حتى بدأت تتكشف حقيقة الدوافع الاقتصادية خلف القرار. فقد أقر محمد باقر قاليباف، رئيس برلمان النظام، بأن “الحكومة تشتري البنزين بتكلفة تفوق سعر البيع، واستمرار هذا الوضع ليس في مصلحة الاقتصاد الوطني”، وهو اعتراف واضح بأن الخزينة العامة مفلسة.
كما كشف عضو في لجنة الطاقة البرلمانية أن “تعديل أسعار الطاقة” مطروح في إطار إعداد ميزانية العام المقبل، مشيرًا إلى أن استيراد جزء من احتياجات البلاد من الوقود فرض على الحكومة إعادة النظر في الأسعار.
أما الاعتراف الأوضح فجاء على لسان النائب محمودي الذي وجه انتقادًا صريحًا للحكومة قائلاً:
“لقد وصلتم إلى السلطة بشعارات دعم الطبقات الضعيفة، لكنكم الآن تمدون أيديكم إلى جيوب الناس وتزيدون الأسعار بدلًا من معالجة أصل المشكلة.”
هذه التصريحات مجتمعة تؤكد أن الهدف من القرار ليس الإصلاح الاقتصادي، بل البحث عن موارد داخلية لتعويض عجز مالي متفاقم ناجم عن الفساد وسوء الإدارة والعقوبات.
نفاق النظام: تقشف في الداخل وكرم في الخارج
يتجلى التناقض الصارخ في سياسات النظام حين يقارن الإيرانيون بين معاناتهم اليومية من ارتفاع الأسعار، وبين كرم حكومتهم المفرط تجاه الخارج.
ففي الوقت الذي يفرض فيه النظام سياسة تقشف خانقة على مواطنيه، نقل موقع “خبر أونلاين” الحكومي عن السفير الإيراني في لبنان، مجتبى أماني، قوله إن طهران كانت على استعداد لتقديم وقود مجاني بقيمة 60 مليون دولار إلى لبنان، لكن المسؤولين اللبنانيين رفضوا العرض بسبب العقوبات الأمريكية.
هذا المشهد يكشف بوضوح أولويات النظام المنحرفة: تقليص الإنفاق الداخلي وإفقار الشعب لتأمين تمويل سياساته الإقليمية وشبكة ميليشياته في الخارج.
فبدل أن تُوجّه عائدات النفط والوقود إلى إنعاش الاقتصاد المنهار، تُهدر في مغامرات خارجية لا تعود بأي نفع على المواطن الإيراني، مما يزيد من شعور السخط واليأس داخل المجتمع.
طريق مسدود وغضب يقترب من الانفجار
تؤكد خطوة “الرفع التدريجي” أن النظام الإيراني يفتقر لأي حلول اقتصادية حقيقية، وأنه يواصل تحميل المواطنين تكلفة إخفاقاته المالية والسياسية. ومع تفاقم الغلاء وتراجع القوة الشرائية، يزداد الشعور الشعبي بأن النظام يستخدم الاقتصاد كأداة للجباية والسيطرة.
إن ما يجري اليوم ليس مجرد قرار اقتصادي، بل مؤشر جديد على انهيار البنية المالية للنظام، وعلى انفصال السلطة عن واقع المجتمع. وبينما يحاول النظام شراء الوقت بسياسات الترقيع، تتراكم عوامل الانفجار الاجتماعي القادم، الذي قد يكون هذه المرة أكثر عمقًا واتساعًا من أي وقت مضى.








