موقع المجلس:
يومي السبت والأحد (4 و5 أكتوبر 2025)، خلال عطلة نهاية الأسبوع، شهدت المدن الایرانیة، واحدة من أوسع موجات الاحتجاجات وأكثرها تنوعًا منذ أشهر، حيث خرجت شرائح متعددة من المجتمع إلى الشوارع — من العمال والمزارعين إلى الكوادر الطبية والطلاب والمتقاعدين — في مشهد يعكس احتقانًا اجتماعيًا بلغ ذروته.
لم تعد هذه التحركات مجرد صرخات ضد الغلاء وتدهور المعيشة، بل تحولت إلى صرخة جماعية من أجل الكرامة والعدالة والمستقبل، تحمل في طياتها تشكيكًا علنيًا بشرعية النظام وكفاءته.
المتقاعدون في المقدمة: من المطالب المعيشية إلى الموقف السياسي
مرة أخرى، يثبت المتقاعدون أنهم أصبحوا إحدى أكثر القوى الاحتجاجية تنظيمًا وجرأة في إيران. ففي مدن مثل شوش والأهواز وأصفهان، رددوا شعارات غاضبة ضد الفساد وسوء الإدارة، محمّلين الحكومة والبرلمان مسؤولية الانهيار الاقتصادي.
غير أن التحول الأبرز كان في كرمانشاه، حيث شهدت المدينة لحظة رمزية فارقة: وقف متقاعدو الصناديق المختلفة جنبًا إلى جنب، وأدّوا نشيد “يار دبستاني”، الذي أصبح رمزًا للمقاومة المدنية، تزامنًا مع يوم المعلم العالمي، مطالبين بالإفراج عن المعلمين المعتقلين.
بهذه الخطوة، انتقل المتقاعدون من دائرة المطالب الاقتصادية إلى تبنّي أجندة سياسية وحقوقية أوسع، مؤكدين أن نضالهم لم يعد منفصلًا عن نضال بقية الفئات الاجتماعية.
من المزارع والخباز إلى العامل والطالب: غضب شامل ضد الفقر والفساد
بينما كانت أصوات المتقاعدين تتردد في الشوارع، تصاعدت موجات احتجاج أخرى في مختلف القطاعات.
ففي مشهد وخراسان الجنوبية، خرج الخبازون في احتجاج هو الرابع من نوعه، تنديدًا بالفساد في توزيع الدعم الحكومي وارتفاع تكاليف الإنتاج، معتبرين أن “رغيف الخبز نفسه بات مهددًا”.
وفي دزفول، أغلق المزارعون وأصحاب الجرارات الطرق احتجاجًا على خفض حصص الوقود، مؤكدين أن استمرار هذه السياسات يهدد “شرايين الزراعة الوطنية”.
أما في إيلام، فقد واصل عمال مصنع “بويا نخ” احتجاجهم بعد خمسة أشهر من تأخر الأجور، محذرين من إغلاق المصنع نهائيًا. وفي طهران، أضرب العاملون في مستشفى “مردم” بعد شهرين من عدم تقاضي رواتبهم، في مؤشر على انهيار الأمن الوظيفي حتى في القطاعات الحيوية كالصحة.
وامتد الغضب إلى الجامعات والمدارس؛ إذ نظم طلاب جامعة خواجه نصير في طهران احتجاجاتهم لليلة الرابعة على التوالي ضد ما وصفوه بـ“تسليع التعليم”، بينما خرج أولياء أمور في مدينة بارس جم احتجاجًا على غياب المدارس الحكومية لأبنائهم.
وحدة السخط… وبداية التحول
تكمن أهمية هذه الاحتجاجات في تزامنها وتكاملها، إذ لم تعد مجرد جزر معزولة من الغضب الاجتماعي، بل خيوطًا متشابكة تنسج معًا لوحة عصيان مدني متصاعد.
فعندما يطالب متقاعد في كرمانشاه بحرية المعلم السجين، ويهتف عامل في إيلام ضد إهمال السلطات المحلية، ويرفع طالب في طهران شعارات تندد بنفس السياسات الاقتصادية التي تطحن الخباز في مشهد — يصبح العدو المشترك واضحًا: نظام فاسد فقد شرعيته وعجز عن إدارة البلاد.






ناقوس الخطر: إيران على أعتاب تحول حتمي
تؤكد هذه الموجة الواسعة من الاحتجاجات أن المجتمع الإيراني تجاوز مرحلة الصبر وبدأ يدخل طورًا جديدًا من التضامن والعمل الجماعي.
كل مظاهرة، وكل شعار، وكل إضراب، يضيف لبنة جديدة في جدار انعدام الثقة بين الشعب والنظام، ويقرب البلاد خطوة أخرى من تحول لا مفر منه — تحول لم يعد خيارًا سياسيًا، بل ضرورة لإنقاذ إيران من أزمتها البنيوية.