موقع أقلام حرة -د. قصي الدميسي:
زيارة علي لاريجاني إلى بيروت في أغسطس 2025 مثلت محطة صادمة على الساحة اللبنانية والإقليمية محملة برسائل سياسية واستراتيجية تخدم المشروع الإيراني وتحافظ على نفوذ طهران في لبنان عبر دعم حزب الله بشكل مباشر ومتواصل رغم الضغوط المتزايدة على لبنان للتخلص من سلاح الميليشيات.
أسباب وتوقيت الزيارة
جاءت زيارة لاريجاني في ظل أجواء مشحونة على الصعيدين الإقليمي والداخلي اللبناني في وقت تضغط فيه الولايات المتحدة ودول غربية على لبنان لتنفيذ قرار نزع سلاح حزب الله بحلول نهاية 2025.. هذه الزيارة لم تكن بروتوكولية تقليدية بل خطوة مدروسة بعناية من إيران لتثبيت موقعها في لبنان رداً على ما وصفتُه بخطط “تغيير موازين القوة” بالمنطقة.. التقاء لاريجاني مع كبار المسؤولين من مختلف الطوائف في لبنان يوضح حرص إيران على استعراض نفوذها السياسي والأمني في لحظة تحولات إقليمية كبيرة.
لاريجاني سفير الولي الفقيه ورسائل الدعم
بصفته أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني حمل لاريجاني رسالة واضحة مفادها أن دعم حزب الله “محور المقاومة” سيظل ثابتاً ولن تتراجع إيران في هذا الملف.. وتعمد طهران ربط دعم حزب الله بالدور الاستراتيجي في تعزيز موقع إيران التفاوضي الدولي خاصة في ملف النووي، وهو ما يفسر التشديد على أن “سلاح حزب الله خط أحمر” وأن أي محاولة لنزع السلاح ستتواجه برد إيراني صارم؛ كذلك أكد لاريجاني أن أي خطوات تتعلق بسلاح حزب الله يجب أن تكون داخلية لبنانية بدون ضغوط خارجية في محاولة لإحباط جهود واشنطن وشركائها.
الانعكاسات الداخلية اللبنانية
رفعت الزيارة مستوى التوترات في الداخل اللبناني حيث انقسمت الآراء بشدة بين مؤيدين يرون الزيارة دعماً لمقاومة إسرائيل واستقرار لبنان في مواجهة التهديدات، ومعارضين يعتبرونها تتويجاً لتدخل إيراني يسيء لسيادة الدولة.. اللافت للنظر أن الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام حذرا بشدة من أي اعتداء على سيادة لبنان مؤكدين أن السلاح يجب أن يكون حصراً بيد الدولة.. إلا أن هذه المواقف لم تخفف من التشدد الإيراني وتأكيد لاريجاني على دعم الحزب بكل ما لديه من قوة.
دلالات استراتيجية إقليمية
زيارة لاريجاني تعكس إصراراً على إعادة تموضع إيرانية بالمنطقة تربط بين الملف النووي وبين دعم ميليشياتها كأداة تفاوضية عسكرية وسياسية لا سيما حزب الله في لبنان الذي يعتبر ذراعاً للإدارة الإيرانية في المشرق العربي..، وفي ظل الخسائر التي تكبدها حزب الله وإيران في السنوات الأخيرة على جبهات مختلفة تحاول طهران إعادة تصويب سياساتها من خلال تأكيد الدعم المادي والسياسي واللوجستي، مع الحفاظ على تماسك محور المقاومة.. كما تسعى طهران إلى منع لبنان من أن يكون ورقة تفاوض أو ضحية لتوازنات دولية تهدف إلى تقليص نفوذها.
دعوة لبنانية وعربية لاستشعار الخطورة
بناء على هذا المشهد تواجه القوى الوطنية اللبنانية وجماهير الشعب مهمة صعبة لكنها حاسمة في فك الارتباط مع نفوذ إيران عبر حزب الله.. والمطلوب اليوم بناء جبهة وطنية جامعة ترفض سلاح الميليشيات، وتدعم سيادة الدولة، وتعمل على تحريك الرأي العام العربي والدولي لوقف التعامل مع لبنان كأداة إيرانية في صراعات كبرى.. كذلك فإن دعم البدائل الديمقراطية الوطنية هو الطريق الوحيد لاستعادة القرار الوطني ووقف التحول السلبي لبلدٍ غني بتاريخه وثقافته إلى ساحة صراع ونفوذ خارجي.
خلاصة القول.. زيارة علي لاريجاني إلى بيروت ليست مجرد زيارة سياسية عادية بل إعلان صريح بأن إيران متمسكة بحزب الله كسلاح وذراع لا يمكن الاستغناء عنها، ويرتبط هذا الدعم بقضية ملفها النووي، وعلى اللبنانيين والعرب أحياء هذا الوعي لرفض أن تتحول بلادهم إلى امتداد للنفوذ الإيراني، وأن يبنوا استراتيجيات وطنية قوية تعيد السيادة والاستقلال عبر مؤسسات الدولة ورفض وجود سلاح خارج سلطة الدولة.
هذه الرسالة الإيرانية تشكل تحدياً وجودياً.. لكن في المقابل فإن حزب الشعب اللبناني الحر والواعي قادر على جعل لبنان نموذجاً للمقاومة المدنية والديمقراطية ضد الهيمنة، ومستقبل لبنان يجب أن يكون بأيدي أبنائه لا بقرار عبثي يُتخذ في طهران.
د. قصي الدميسي – نائب أردني سابق