صورة للحرب الایرانیة – العراقیة في الثمانینات
موقع المجلس – منى سالم الجبوري:
أول ميزة تمت ملاحظتها على النظام الايراني منذ بدايات تأسيسه، هو حرصه على الممارسات القمعية التعسفية وفرضه أجواءا تتسم بالخوف والرهبة وتحذير کل من يفکر في معارضة النظام والقيام بنشاط مضاد.
الممارسات القمعية لم تکن تقتصر على مصادرة الحريات والحقوق الاساسية والاعتقالات والتعذيب في السجون، بل إنها شملت أيضا الاعدامات التي کان النظام والى وقت قريب، يحرص على تنفيذها في الاماکن العامة بحيث يثير الخوف والذعر بين الناس.
أجواء الرهبة والخوف التي فرضها النظام الايراني على إيران وبحسب تصوره کانت في الحقيقة بمثابة جدار أمني عال جدا ليس من السهل أبدا تجاوزه، وکل هذا کان من أجل أن يجعل من نفسه کأمر واقع على الشعب الايراني، لکنه سرعان ما أدرك بأن جداره الامني لم يف بالغرض فبادر الى إثارة الحروب والازمات من أجل إشغال الشعب بها وصرف أنظاره عن واقعه المزري، والحقيقة فإن النظام الايراني ومنذ عهد خميني واستمراره تحت قيادة خامنئي، مثالا صارخا على هذه الاستراتيجية المدمرة. فسياسة إشعال الحروب لم تكن مجرد أداة لحرف أنظار الرأي العام عن المشاكل الداخلية، بل كانت أيضا وسيلة لفرض أيديولوجية النظام المتزمتة والتوسعية على المنطقة والعالم.
وعندما تعجز الانظمة الدکتاتورية عن حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فإنها غالبا ما تجد في الحرب مخرجا. والنظام الإيراني ليس استثناء. فمنذ ثورة عام 1979، انهار الاقتصاد الإيراني تحت إدارة هذا النظام، حيث أدى التضخم الجامح والفقر الواسع والبطالة إلى إثارة غضب شعبي عارم واحتجاجات متكررة. وفي مثل هذه الظروف، يتم استخدام الحرب كطريقة لتحويل انتباه الشعب عن مشاكله الحقيقية. وقد كان أبرز مثال على ذلك هو الحرب الإيرانية العراقية، التي استفزها خميني لترسيخ سلطته، وكلفت إيران خسائر بشرية ومادية فلكية. ومؤخرا، عندما دفعت انتفاضة عام 2022 النظام إلى حافة الهاوية، لجأ مجددا إلى إشعال الحروب في المنطقة، في محاولة يائسة لتصدير أزماته.
وتحت شعار “تصدير الثورة”، الذي هو في حقيقته “تصدير التطرف والارهاب”، تدخل النظام الإيراني في شؤون دول المنطقة بهدف نشر الأصولية وترسيخ نفوذه. وكانت الأداة الرئيسية لتنفيذ هذه السياسة هي “قوة القدس” التابعة للحرس الثوري، التي أنفقت المليارات من أموال الشعب الإيراني لإنشاء وتمويل شبكة واسعة من الميليشيات الوكيلة.
لكن استراتيجية إشعال الحروب لم تحقق أهدافها، بل أدت في النهاية إلى هزائم استراتيجية للنظام. ففي الصراعات الأخيرة، تعرض حلفاؤه الرئيسيون لضربات قاصمة، حيث تم إضعاف حزب الله بشكل كبير، ووجد الحوثيون أنفسهم على شفا الهزيمة. وعلى الصعيد الداخلي، لم يخسر النظام موارده المالية الهائلة فحسب، بل فقد أيضا العديد من كبار قادة الحرس الثوري، مما جعله في أضعف موقف له منذ عقود