موقع المجلس:
يعيش سكان المدن الجنوبية في إيران، وخاصة في محافظتي خوزستان وبوشهر، ظروفاً معيشية لا تُطاق، حيث حول انقطاع التيار الكهربائي والمياه المتكرر، بالتزامن مع موجات الحر الشديد، حياتهم اليومية إلى جحيم حقيقي. هذه الأزمة، التي بدأت مبكراً هذا العام وتحديداً منذ شهر أبريل/مايو، ليست مجرد مشكلة تقنية عابرة، بل هي انعكاس لفشل هيكلي عميق في إدارة موارد البلاد وتلبية أبسط احتياجات مواطنيها، مما يدفع بالكثيرين إلى حافة اليأس والغضب.
انقطاع التیار الکهربائی في ایران
ففي الأهواز، التي سجلت درجات حرارة تجاوزت 48 درجة مئوية في أواخر مايو/أيار، يُفترض ألا ينقطع التيار الكهربائي بسبب الحرارة الشديدة، لكن الواقع المرير يشير إلى انقطاع الكهرباء والمياه معاً في ذروة الحر، حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر. هذا الوضع لا يقتصر على الأهواز، بل يمتد ليشمل مدناً أخرى في خوزستان التي سجلت متوسط حرارة بلغ 41 درجة منذ بداية أبريل/مايو. وفي مشهد يعكس حجم المأساة، احتلت مدينة بندر دير في محافظة بوشهر المرتبة الأولى عالمياً كأكثر المناطق سخونة في 2 يونيو/حزيران بدرجة حرارة بلغت 47.4 درجة مئوية، وفي نفس اليوم، كانت مدن أميدية والأهواز وصفى آباد دزفول من بين أكثر خمس مدن حرارة في العالم. والمفارقة المؤلمة أن هذه المعاناة تحدث في مناطق تزخر بمصافي النفط ومصادر الطاقة.
إن عجز النظام الإيراني عن تأمين إمدادات الكهرباء بشكل مستمر ليس بجديد، فقد أغرقت الانقطاعات مئات المدن والقرى الإيرانية في الظلام خلال فصول الصيف الماضية، وعرّضت المواطنين لمعاناة قاسية في ذروة الحر. لكن الأزمة هذا العام بدأت مبكراً وبشكل أشد وطأة، مما دفع بالكثيرين إلى التساؤل عن جدوى وعود المسؤولين الفارغة.
تتجاوز تداعيات انقطاع الكهرباء مجرد الشعور بالضيق، لتطال كافة جوانب الحياة. فقد أدت إلى توقف عمل أبراج الاتصالات وانقطاع خدمة الإنترنت في بعض المناطق، مما اضطر المواطنين للتنقل في درجات الحرارة الحارقة لإرسال رسالة بسيطة. أما سكان الطوابق العليا، فيجدون أنفسهم محاصرين بلا كهرباء ولا ماء، فلا تبريد ولا استحمام، محرومين من أبسط مقومات الحياة. وفي بندر عباس، تجمع أصحاب محلات بيع الأسماك احتجاجاً على عدم توفر مكيفات الهواء في ظل الحر الشديد.
الخسائر المادية أيضاً فادحة، كما يظهر في مقاطع الفيديو التي ينشرها المواطنون على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تحدث العديد منهم عن احتراق ثلاجاتهم المنزلية والصناعية ومكيفات الهواء وأجهزة إلكترونية أخرى، مما كبدهم خسائر بملايين التومانات. وقد لخص أحد المواطنين هذا الوضع المأساوي بمرارة قائلاً إن تركيبة “البطالة، والحر، واحتراق الأجهزة الكهربائية، وانعدام المياه، والفقر” هي الكارثة التي جلبها النظام الإيراني على البلاد. وأضاف مواطن آخر، مشيراً إلى انقطاع الكهرباء عن منزله، وفي إشارة ساخرة إلى ادعاءات خامنئي المتكررة بـ”فتح القمم” بينما يعجز النظام عن توفير أبسط الخدمات الأساسية لمواطنيه بعد 47 عاماً من الحكم، حتى مع جبايته لأموال فواتير الكهرباء: “قمم تقدم النظام التي يتحدث عنها خامنئي هي في الحقيقة وديان من المعاناة للشعب”.
ورغم هذه الاحتجاجات والمعاناة الواسعة، تستمر الانقطاعات اليومية والمنتظمة للكهرباء المنزلية منذ منتصف أبريل/مايو. وفي محاولة يائسة لتبرير الفشل، قالت المتحدثة باسم حكومة بزشكيان، فاطمة مهاجراني، في 3 يونيو/حزيران: “لسنا سعداء بانقطاع الكهرباء، لكننا مضطرون لمواصلة ذلك بسبب النقص الحاد”، مضيفة أن الحكومة “ستبذل قصارى جهدها لتقليل انقطاع الكهرباء إلى الحد الأدنى، خاصة في المحافظات ذات درجات الحرارة المرتفعة”.
إلا أن هذه الوعود تبدو جوفاء في ظل تصريحات وزير الطاقة، عباس علي آبادي، الذي أعلن مؤخراً أن تحديد أولويات قطع الكهرباء قد تم تفويضه إلى المحافظات، وأن القطاع الصناعي لم يعد ضمن أولويات التزويد بالكهرباء كما كان سابقاً. ويرجع الخبراء السبب الرئيسي لـ”عدم التوازن” في قطاع الكهرباء والعجز البالغ 14 ألف ميغاوات في إيران إلى توقف الاستثمار في صناعة الكهرباء، وعدم تطوير محطات الطاقة، وتقادم شبكة النقل.
إن ما تشهده المدن الجنوبية في إيران ليس مجرد أزمة طاقة عابرة، بل هو دليل صارخ على نظام حكم أفلست سياساته وأهمل مواطنيه، وبات عاجزاً عن توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة، مما يضع البلاد بأكملها على حافة انفجار اجتماعي لا يمكن التكهن بعواقبه.