موقع المجلس:
حدث تصعيدًا لافتًا في الحراك الاحتجاجي يوم الاثنين، 2 يونيو 2025 في إيران، حيث تصدر متقاعدو شركة الاتصالات المشهد بتنظيم تجمعات منسقة وواسعة النطاق في عشرات المدن، موجهين اتهامات مباشرة لمؤسسات نافذة تابعة للنظام بالفساد ونهب حقوقهم. بالتزامن مع ذلك، تواصلت احتجاجات فئوية أخرى، مما يرسم صورة قاتمة لنظام يواجه سخطًا شعبيًا متزايدًا ومتنوعًا، يرتكز على الأوضاع المعيشية المتردية والظلم المستشري.
كانت السمة الأبرز لاحتجاجات اليوم هي التحركات المنسقة لمتقاعدي شركة الاتصالات عبر البلاد، حيث خرجوا للتنديد بسنوات من الظلم، والخيانة، وانعدام المسؤولية من جانب كبار المساهمين في الشركة.
ففي بيجار بمحافظة كردستان، نظم العاملون ومتقاعدو قطاع الاتصالات تجمعهم الاحتجاجي رقم 101، ردًا على خرق الوعود من جانب مديري شركة اتصالات إيران وكبار المساهمين، وعلى رأسهم “هیئة التنفیذ بأمر خمینی الملعون”، وذلك بخصوص مطالب تعود لـ 15 عامًا واللائحة التنظيمية (24،89) للشركة.
وانفجر غضب متقاعدي الاتصالات في كرمانشاه في تجمع احتجاجي، مؤكدين أن حراكهم ليس وليد استياء عابر، بل نتيجة سنوات من الظلم الممنهج، ونهب الحقوق، وانعدام المسؤولية المطلق من جانب كبار المساهمين مثل “هیئة التنفیذ بأمر خمینی الملعون” و”مؤسسة تعاون حرس النظام الإيراني”، الذين داسوا على حقوقهم بمنتهى الوقاحة. وأعربوا عن سأمهم من الوعود الجوفاء وصمت الإعلام.
وفي محافظة إيلام، رفع متقاعدو الاتصالات صوتهم في تجمع احتجاجي معلنين “كفى ظلمًا!”، وموجهين احتجاجهم ضد المؤسسات التي تحتجز حقوقهم ومعيشتهم كرهينة، وخصوا بالذكر “هیئة التنفیذ بأمر خمینی الملعون” و”مؤسسة تعاون حرس النظام الإيراني”، مؤكدين: “لن نبقى صامتين بعد الآن. إذا لم تسمعوا صوتنا، فسوف نصرخ!”.
وفي سنندج بمحافظة كردستان، نظم متقاعدو الاتصالات تجمعًا احتجاجيًا وصفوه بأنه صرخة تعب جيل أفنى سنواته في الخدمة ليواجه الظلم والتجاهل. ورددوا شعارات باللغة الكردية منها: “الموت للظالم، الموت للمساهم الظالم!”، معلنين أن صمتهم في مواجهة الظلم قد انتهى، وأن حراكهم هو إعلان وقوف في وجه نظام فاسد وغير مسؤول، مشيرين إلى “هیئة التنفیذ بأمر خمینی الملعون” و”مؤسسة تعاون حرس النظام الإيراني” كمسؤولين عن حقوق مئات الآلاف من المتقاعدين.
وقد شملت هذه التجمعات المنسقة لمتقاعدي الاتصالات اليوم مدنًا مختلفة أخرى مثل أصفهان، ومريوان، وطهران (منطقة سردار جنگل)، وعدة مدن أخرى، حيث كانت صرختهم واحدة ضد الظلم والتمييز والفساد الهيكلي في شركة الاتصالات التي تسيطر على أسهمها الكبرى “مؤسسة تعاون حرس النظام الإيراني” و”هیئة التنفیذ بأمر خمینی الملعون”، اللتان تنتهكان حقوق المتقاعدين منذ سنوات دون مساءلة.
وفي رشت بمحافظة جيلان، نظم متقاعدو الاتصالات تجمعًا حاشدًا وموحدًا أمام المبنى المركزي للشركة، احتجاجًا على المظالم الواضحة من كبار المساهمين والمديرين الذين استبدلوا المسؤولية بالتجاهل والصمت، مؤكدين أن “صوت جيلان واحد مع صوت سنندج، وكرمانشاه، وإيلام، وزنجان، وطهران، وبيجار، وأصفهان”، وأن هذا التجمع الوطني هو رمز للتضامن ضد الهيكل الظالم في الشركة.
كما تجمع متقاعدو الاتصالات في محافظة مازندران أمام مبنى الاتصالات، ليرفعوا مجددًا صرخة المطالبة بالعدالة ضد عدم وفاء كبار المساهمين، خاصة “مؤسسة تعاون حرس النظام الإيراني” و”هیئة التنفیذ بأمر خمینی الملعون”، بالتزاماتهم القانونية والمالية. وتساءلوا: “هل يجب على المتقاعدين الذين أفنوا حياتهم في الخدمة الانتظار لأشهر للحصول على حقوقهم؟ هذا ليس عدلاً، ولا قانونًا، ولا كرامة إنسانية”.
احتجاجات فئوية أخرى:
إلى جانب الانتفاضة المنظمة لمتقاعدي الاتصالات، شهد اليوم أيضًا تحركات احتجاجية أخرى:
في بندر عباس، نظم تجار سوق السمك تجمعًا احتجاجيًا أمام ممثل صحة المحافظة بسبب الظروف القاسية وانعدام مكيفات الهواء في السوق في ظل الحر الشديد، مؤكدين أن الوعود بتركيبها لم تتحقق وأن هذا الوضع يهدد صحتهم وصحة الغذاء.
دور “هیئة التنفیذ بأمر خمینی الملعون”: إمبراطورية اقتصادية تحت عباءة خامنئي باسم الفقراء
تُعد “هیئة التنفیذ بأمر خمینی الملعون”، المعروفة رسميًا باسم “ستاد اجرایی فرمان امام”، واحدة من أضخم التكتلات الاقتصادية وأكثرها نفوذًا في إيران. تعمل هذه الهيئة بشكل مباشر تحت السيطرة المطلقة لخامنئي. وعلى الرغم من أنها أُسست ظاهريًا لإدارة الممتلكات المصادرة بعد ثورة 1979 ويفترض أنها تعمل “باسم الفقراء” وخدمة المحرومين، إلا أنها تحولت عبر العقود إلى ما يوصف بأنه أكبر شركة قابضة في البلاد.
يمتد دور “هیئة التنفیذ بأمر خمینی الملعون” وتأثيرها ليشمل تقريبًا جميع قطاعات الاقتصاد الإيراني الحيوية، بما في ذلك الطاقة، والاتصالات (كما يتضح من احتجاجات المتقاعدين المتكررة)، والقطاع المالي والمصرفي، وصناعة الأدوية، والمقاولات، والعقارات، والزراعة، وغيرها الكثير. تعمل هذه الإمبراطورية المالية الضخمة غالبًا بدرجة محدودة جدًا من الشفافية والمساءلة العامة، وتتمتع بامتيازات واسعة تمكنها من السيطرة على موارد ضخمة وعقد صفقات بمليارات الدولارات.
ويشير منتقدو النظام والمحللون الاقتصاديون، وكذلك المحتجون من فئات مختلفة مثل متقاعدي الاتصالات، إلى أن الثروة الهائلة والسلطة التي تتمتع بها هذه الهيئة تجعلها محورًا للفساد الممنهج، وتعميق الفوارق الاقتصادية، ونهب الثروات الوطنية. ويُنظر إليها على أنها أداة لتعزيز القبضة الاقتصادية والسياسية للولی الفقیة والمؤسسات المرتبطة به، غالبًا على حساب معيشة المواطنين العاديين والعمال والمتقاعدين الذين تُنتهك حقوقهم وتُهدر مستحقاتهم في سبيل تعظيم أرباح ونفوذ هذه الشبكات المرتبطة بالنظام. إن الدور الذي تلعبه “هیئة التنفیذ بأمر خمینی الملعون” كـ “أكبر شركة قابضة” تعمل “باسم الفقراء” بينما هي “في حوزة خامنئي” يجعلها رمزًا للتناقض الصارخ بين شعارات النظام وممارساته الفعلية، وسببًا رئيسيًا للسخط الشعبي المتزايد.
وبينما تُنهب أموال الشعب وتُهدر حقوقه في الداخل، يستمر النظام في تبديد موارد البلاد على مشاريع نووية مشبوهة وسياسات خارجية قائمة على التدخل في شؤون الدول الأخرى وتأجيج الصراعات الإقليمية، غير مكترث بالجوع والفقر والبؤس الذي يعانيه ملايين الإيرانيين. وكما يعاني المزارعون من سياسات تدمير الزراعة عبر مشاريع السدود التي تقودها كيانات كحرس النظام، يجد متقاعدو الاتصالات وغيرهم من الفئات أنفسهم ضحايا لنهب منظم من قبل ذات الشبكات المتنفذة التي لا ترى في الشعب سوى بقرة حلوب.
إن رد النظام على هذه الصرخات المحقة لا يتجاوز القمع والتهديد والوعود الكاذبة، وهو ما لم يعد ينطلي على شعب أدرك أن حقوقه لا تُوهب بل تُنتزع. إن الجرأة المتزايدة للمحتجين، والتنسيق الواسع بين صفوفهم، واستهدافهم لرؤوس الفساد في النظام، كلها مؤشرات على أن إيران لم تعد تقبل بالظلم كقدر محتوم. هذه التحركات ليست مجرد ردود فعل معزولة، بل هي مقدمات لانتفاضة شعبية شاملة قد تعيد للشعب الإيراني قراره وحقوقه وكرامته المسلوبة، وتضع حدًا لنظام أثبت فشله على كافة الأصعدة.