موقع المجلس:
حین یضحی الاقتصاد الطفيلي يخدم السياسات القمعية
في إيران التي يرزح شعبها تحت نير نظام الملالي، تحول الاقتصاد إلى أداة ضغط ووحش يطبق على حياة الناس ومعيشتهم وراحتهم. ولذلك، وباستثناء إيران، لا تجد في أي بلد آخر اقتصاداً طفيلياً يعيش على فتات سياسة الحكم الحاكم ويكون عبداً للسياسيين. وفي ظل هكذا هيكلية، حتى وإن تم توظيف العلم والتكنولوجيا، فإن الهدف الأسمى يكون تحقيق أقصى ربح مالي لترسيخ دعائم السيطرة السياسية المطلقة، وفرض الرقابة، والقمع الشامل للمعارضين والشعب.
یحدث هذا في ایران تحت سلطة نظام الملالي في الوقت الذي يُعرف علم الاقتصاد بأنه العلم الذي يهدف إلى تيسير تلبية الاحتياجات الحيوية للفرد والمجتمع. ولكن كيف يتحول هذا العلم النبيل في إيران إلى وحش خانق يطبق على حياة الناس ومعيشتهم؟ الإجابة تكمن في تقاطعات السياسة، والعلم، والتخصص، وكيفية توظيف علم الاقتصاد. تبدأ الكارثة، أي يتحول الاقتصاد إلى ذلك الوحش الخانق، عندما تصبح السياسة حكراً على الدولة وهيمنتها المطلقة. إن تبعات هذا التحول هي تمزيق أوصال العلم والتخصص والتقنية وتقديمها قرابين على مذبح الاحتكار السياسي، والهيمنة الاقتصادية الشاملة، والاستبداد العقائدي المطلق.
لعبة النظام بالغلاء والعملة الصعبة
إن الغلاء الفاحش للسلع الحيوية وتصاعد أسعارها المستمر يمثل إحدى المعضلات اليومية للشعب الإيراني. هذا الغلاء متجذر في كيفية استخدام النظام للاقتصاد. وقد صرح خبراء حكوميون مراراً بأن أحد الأسباب الرئيسية للغلاء هو التضخم، والتضخم الناجم عن سعر صرف العملات الأجنبية؛ فالحكومة هي من تتلاعب بأسعار هذه العملات صعوداً وهبوطاً، وتتجلى آثار ذلك بوضوح في أسعار السلع الاستهلاكية.
وفي معرض تحليل أسباب ارتفاع أسعار منتجات الألبان واللحوم خلال الأسبوع الماضي وعلاقتها بسعر الصرف، كتب موقع “جوان أونلاين” الحكومي في 22 مايو/أيار 2025 تحت عنوان “دومينو ارتفاع الأسعار”:
“يفيد أصحاب المتاجر بانخفاض الطلب على شراء الحليب ومنتجات الألبان بسبب ارتفاع الأسعار في الأسبوعين الأخيرين. لقد حذف الناس الحليب ومنتجات الألبان من سلة معيشتهم بسبب انخفاض قدرتهم الشرائية. هذه الأحداث هي نتاج سياسات ‘دعم الإنتاج’ التي تتبعها وزارة جهاد الزراعة؛ فقد ارتفع سعر الحليب الخام من 18 ألف تومان إلى 23 ألف تومان، وتم وقف تخصيص العملة الصعبة لاستيراد اللحوم الحمراء في أبريل/مايو. كلا القرارين أثارا غضب الشعب والمنتجين على حد سواء.”
مسار ممنهج لاستغلال الشعب
تشهد هذه الأمثلة على أن الحكومة لا تسعى إطلاقاً لإيجاد توازن بين دخل المواطنين وتكاليف المعيشة وسعر صرف العملات، بل كل همها هو فرض الأمر الواقع على الناس وتسهيل استغلالهم لصالح بقاء النظام. هذه الحقيقة تم تحليلها مراراً وتكراراً من قبل خبراء حكوميين وغير حكوميين، ولكن المصالح السياسية والاقتصادية للنظام الحاكم لم تعر يوماً، ولن تعير، أي اهتمام للآراء العلمية والمتخصصة. وفي أحدث مثال على ذلك، كتبت ذات الوسيلة الإعلامية الحكومية، دون الإشارة إلى فرض و إجبار رفع أسعار منتجات الألبان:
“قال المتحدث باسم جمعية صناعات منتجات الألبان الإيرانية إن دخل المستهلكين لا ينمو بما يتناسب مع التضخم.”
حدود العلم والمنطق في نظام شمولي
أي تحول اقتصادي خاطف يمكن أن يطرأ على بلد ما حتى يرتفع سعر كيلوغرام واحد من اللحم بمقدار “100 إلى 150 ألف تومان” خلال أسبوع واحد؟ بأي معيار من معايير علم الاقتصاد يمكن اعتبار هذا التسارع وهذا الإجبار أمراً منطقياً أو قياسياً؟ وهل يوجد أصلاً أي مكان أو احترام للعلم والمنطق والمعايير في نظام ولاية الفقيه الشمولي – نظام الملالي الذي تجاوز عمره الافتراضي، من منظور العلم والمنطق والمعايير، بستة وأربعين عاماً؟
إن التلاعب بالعملة هو إحدى معضلات علم الاقتصاد ومعاييره مع هذا النظام الحاكم. وهو مجال تصول وتجول فيه هيمنة النظام عبر أوليغارشيات موازية من القوى السياسية والاقتصادية، لتمتص دماء الشعب بشكل ممنهج:
“إلغاء العملة التفضيلية لاستيراد اللحوم وجه ضربة أخرى لمائدة الشعب. جميع المتاجر الكبرى أصبحت خالية من اللحوم. كما ارتفع سعر اللحم المحلي الطازج بمقدار 100 إلى 150 ألف تومان للكيلو. وفي الأسبوع الماضي، رفعت وزارة جهاد الزراعة السعر المعتمد للحوم الدواجن من 85 ألف تومان إلى 105 آلاف تومان. هذا القرار اتخذته منظمة البرنامج والميزانية ودعمه وزير جهاد الزراعة.” (المصدر نفسه)
المجتمع مصلوب على مذبح الاقتصاد!
هذه هي بعض أوجه نتائج الاقتصاد السياسي الخاضع لسيطرة الدولة المطلقة، والذي يسحق الكفاءة والإدارة والتخصص والنخب تحت أقدام مصالحه الهيكلية، ويبقي حياة الناس مسمومة بالمرارة بشكل دائم. إنه يصنع من الفقر والغلاء خنجراً يضعه على رقبة المجتمع حتى لا يشعر أبداً بالأمن الاقتصادي، خشية أن يؤدي ذلك إلى مطالب سياسية. وحتى إن كان هناك دخل للناس، فإنه يسحقه تحت وطأة التضخم. وإذا لم يكن تمرير هذه الأمور عبر غلاء السلع الأساسية والغذاء كافياً، فإنه يضيف انقطاع الكهرباء إلى وحش الاقتصاد الحكومي، لتبقى أيدي وأرجل الناس مقيدة من كل صوب بهذه الصلبان.
في إيران المحتلة التي يسيطر عليها الملالي، ما أن تضع يدك على أي ظاهرة، حتى تصطدم مباشرة بالهيكل السياسي والعقائدي للنظام الحاكم. وبما أن الأمر يتعلق بالهيكل، فهذا يعني أن تغيير هذا الهيكل لا يمكن أن يتم إلا عبر الانتفاضة والثورة. وبدون هذا الرد الحاسم، فإن انتظار حل الأزمة الاقتصادية والمعيشية بأي طريق آخر لن يكون سوى وهمٍ وسراب.