موقع المجلس:
أحيت المؤسسة الدينية الحاكمة في إيران في أواخر مايو/أيار 2025، الذكرى السنوية الأولى لهلاك إبراهيم رئيسي، بما وصفته وسائل الإعلام الحكومية بأكثر من 120 ألف فعالية تأبينية في جميع أنحاء البلاد. هذا الرقم مذهل، ليس فقط لجرأته اللوجستية في دولة غارقة في اليأس الاقتصادي، بل لما يكشفه: نظام غير آمن إلى حد بعيد في شرعيته لدرجة أنه يحول الحداد إلى مسرح سياسي، ويصنع من رئيس هالِك ومثير للجدل شهيداً وطنياً.
الرسائل الرسمية – الصادرة بشكل رئيسي عن الولي الفقيه للنظام، علي خامنئي – صورت رئيسي الهالك كخادم متواضع للشعب، وثوري متدين حكم بالرحمة والنزاهة ونكران الذات. وتم الإشادة بمعارضته للمفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة كدليل على ولائه الأيديولوجي الذي لا يتزعزع. وقُدمت “ساعات عمله الطويلة” و”تفانيه الذي لا يعرف الكلل” كدليل على تفوقه الروحي. والأهم من ذلك، تم استحضار إرثه كرمز لقوة الديكتاتورية الدينية التي لا يطالها الفساد.
لكن تحت ستار المراثي والحزن المدبر، تستمر رواية مختلفة – رواية يصعب كتابتها، ويصعب أكثر قمعها. كان رئيسي الهالك معروفاً داخلياً ودولياً ليس برحمته المزعومة، بل بدوره الرئيسي في الإعدامات الجماعية للسجناء السياسيين عام 1988، وهي الحادثة التي أكسبته لقب “جزار طهران”. تزامنت فترة رئاسته مع حملات قمع وحشية خلال احتجاجات عام 2019 وانتفاضة 2022-2023 التي أشعلتها وفاة مهسا أميني أثناء احتجاز الشرطة لها. بالنسبة للعديد من الإيرانيين، لا يستحضر اسم رئيسي الهالك الخدمة، بل القمع. وحقيقة أن هذا الواقع قد تسلل حتى إلى تغطية وسائل الإعلام الحكومية – حيث اعترف بعض المسؤولين بأنه كان يُلقب بـ”آية الله إعدام” – تشهد على التوتر بين صناعة الصورة وقول الحقيقة في إيران اليوم.
إن الحجم الهائل لحملة التأبين يوحي بشيء أكثر من مجرد الحزن: محاولة منسقة لاستعادة الخوف، وتوحيد قوات الأمن المتصدعة، وإعادة تأكيد السيطرة الأيديولوجية. تشير تقارير من داخل إيران إلى أن النظام يعاني من تآكل كبير في الولاء بين أفراد الرتب المتوسطة في حرس النظام الإيراني وقوات الباسيج – التي كانت ذات يوم أدواته الأكثر موثوقية للإنفاذ الداخلي. في هذا السياق، يتم إعادة تقديم رئيسي الهالك ليس فقط كرئيس سقط، بل كأيقونة ثورية تهدف إلى إلهام القوات المترددة وتثبيط عزيمة المعارضين. الرسالة ليست خفية: الطريق إلى السلطة يمر عبر الطاعة والتضحية، وإذا لزم الأمر، إراقة الدماء.
يأتي هذا الجهد لأسطرة الهالك أيضاً في وقت يتسم بهشاشة داخلية شديدة. فبعد سنوات من العقوبات الساحقة والتضخم المتفشي والاستياء الاجتماعي المتعمق، تواجه الديكتاتورية الدينية ما قد يكون أخطر أزمة شرعية لها منذ ثورة 1979. إن إدانات الولي الفقيه خامنئي المتكررة للأعداء المتصورين – جماعات المعارضة، والولايات المتحدة، والحكومات الأوروبية – تبدو كطقوس تأكيدية تهدف إلى الحفاظ على تماسك نخبة متصدعة أكثر من كونها تموضعاً استراتيجياً. وفي اعتراف كاشف، زعم رئيسي نفسه ذات مرة أنه “لم يحدث أي اضطراب خلال أربعة عقود دون أن يكون هناك أثر للمجاهدين”، في إشارة إلى منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.
وهناك أيضاً مسألة التكلفة. فقد شكك منتقدون من داخل مؤسسة النظام نفسها – بمن فيهم عباس عبدي، محقق مخابرات سابق تحول إلى ناشط إعلامي إصلاحي – علناً في منطق إنفاق مبالغ طائلة على تمجيد رئيسي الهالك بينما يواجه ملايين الإيرانيين الفقر وانعدام الأمن الغذائي. كتب عبدي: “يريدون إقامة 120 ألف احتفال، لكنهم لا يستطيعون كتابة 120 سطراً إيجابياً عن رئاسته”. مثل هذه التصريحات، المنشورة في وسائل إعلام معتمدة من الدولة، تؤكد اتساع الشرخ داخل الطبقة السياسية – وهو نقاش لا يدور حول البوصلة الأخلاقية للنظام، بل حول استراتيجيته للبقاء.
هذا البقاء يعتمد بشكل متزايد على الاستعراض. تُستخدم الملصقات العملاقة والمواكب المصممة بعناية والتكريمات المتلفزة كبديل للشرعية السياسية. الهدف هو إظهار العزم لجمهور أقل رهبة وأكثر إنهاكاً – ولمراقبين دوليين قد يخطئون في تفسير التعبئة الجماهيرية على أنها دعم جماهيري.
ومع ذلك، فإن التناقض واضح. الدولة الواثقة من أسسها لا تحتاج إلى إنفاق موارد شحيحة لإثبات أن قادتها الهالكين كانوا محبوبين. ولا تحتاج إلى تذكير المواطنين – مراراً وتكراراً – بأن الإعدام لا يزال لغتها المفضلة في الحكم. وبالتأكيد لا تحتاج إلى تقديس رجل يربطه الملايين بالقمع، وليس بالاحترام.
ما تسميه الديكتاتورية الدينية إحياء ذكرى، يراه جزء كبير من الجمهور إكراهاً ونفاقاً. في مدن عبر إيران – طهران، أصفهان، الأهواز، مشهد، وغيرها – خاطر شبان إيرانيون بالاعتقال والتعذيب والموت بإضرام النار في صور رئيسي الهالك وتشويه نصب تذكارية له. هذه ليست أعمال تخريب معزولة؛ إنها بيانات متعمدة وشجاعة من جيل يرفض أن ينسى ما كان يمثله رئيسي الهالك.
في النهاية، يكشف التمجيد الجماعي لرئيسي عن ذعر النظام أكثر مما يكشف عن قوته. لم يكن هذا استعراضاً للثقة، بل مشهداً للخوف – قوبل بالتحدي، وليس بالولاء. مرآة يأس – مصقولة، نعم، ولكنها متصدعة بشكل لا لبس فيه، تعكس احتضار نظام الولي الفقيه.