حدیث الیوم:
موقع المجلس:
بقرارات رسمية، وشراكات دولية مشبوهة مع الصين، وتسهيلات حكومية وصلت إلى حدّ تسليم البنية التحتية بيد شبكات النهب المؤسسئ، و بقيادة حرس النظام وبدعم مباشر من خامنئي، تحوّلت مزارع تعدين العملات الرقمية إلى أداة للنهب المنظّم، وسط شلل المستشفيات وتعطيل المصانع وتصاعد الغضب الشعبي.
فبينما يُتهم الشعب بالاستهلاك المفرط ويُحمّل العامل والخباز وربّة المنزل مسؤولية انقطاع الكهرباء، تُهدر آلاف الميغاواط من الطاقة في مزارع «البيتكوين» العملاقة التي أنشأتها المافيات المرتبطة بحرس النظام الإيراني على مرأى ومباركة مكتب خامنئي نفسه. هذه المزارع لا تعمل فقط في الخفاء، بل إنّ وجودها قائمٌ على
في عمق الأزمة الكهربائية التي تُغرق إيران في العتمة والعجز، وتُحوّل المستشفيات إلى مرافق مشلولة، وتُطفئ أفران المصانع، وتُحاصر ملايين المواطنين في صيفٍ خانق أو شتاءٍ قارس، يقف وجه حقيقي ومظلم للنظام الإيراني.
ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 وتوسيع العقوبات، اندفعت منظومة خامنئي إلى استخراج البيتكوين كوسيلة لتعويض شحّ العملة الصعبة. فبأوامر مباشرة، تولّى الحرس تأسيس مزارع ضخمة بالتعاون مع شركات صينية، مستخدمين الطاقة الرخيصة المملوكة للشعب كمادة خام. وما إن بدأ تشغيل هذه المزارع، حتى ظهرت موجات الانقطاع الواسعة للكهرباء في صيف 2019، وهي موجات لم تكن «صدفة» بقدر ما كانت نتيجة حسابات ربحيّة لصالح مافيات السلطة.
وبينما يشتكي المواطن من انقطاع الكهرباء عن بيته أو مكان عمله، تُمنح الامتيازات للمستثمرين الأجانب لاستخراج بيتكوين بربحية خيالية: فكل عملة واحدة تستهلك 2150 كيلوواط/ساعة، ما يعادل 20 برميل نفط، وكل برميل يدرّ أرباحًا ضخمة على من يُسيطر على المزرعة. ومع تضاعف سعر البيتكوين اليوم، باتت الأرباح تتجاوز ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام 2019. ورغم هذه الفضيحة، تُواصل الصحف الرسمية الترويج لتبرئة النظام، وتُلقي باللائمة على «المواطن غير الواعي»، بينما تشير تقاريرها نفسها إلى أن 95% من مزارع التعدين تعمل بسرقة الكهرباء، وأن أصحاب المزارع هم من «الكبار» المرتبطين مباشرة بمراكز السلطة.
وزارة الطاقة نفسها، وعبر وزيرها السابق، اعترفت بمنح التراخيص للجانب الصيني، وهو ما ينسف كل محاولة للتملّص من مسؤولية ما يحدث. بل إنّ الوثائق الرسمية كشفت أن مجلس تشخيص مصلحة النظام ناقش في 2019 كيف يمكن للنظام الاستفادة من العملات الرقمية، ما يُؤكّد أنّ التوجه نحو التعدين لم يكن مبادرة فردية، بل سياسة دولة موازية تهدف إلى ضمان البقاء من خلال اقتصاد الظل.
وفي هذه الأثناء، تزداد الاحتجاجات في مدن كبرى مثل طهران وأصفهان، ويتحوّل الغضب من انقطاع الكهرباء إلى رفضٍ سياسي شامل. فالمواطن يدرك أنّ أزمته ليست نقصًا في الطاقة، بل فائضًا في الفساد. والمخابز التي تُغلق، والمستشفيات التي تنطفئ، والورش التي تتوقّف، كلها ضحايا لحرب خفية تُشنّ عليه لصالح جيوب حيتان السلطة.
وهكذا، فإنّ مافيا التعدين المدعومة من خامنئي والحرس، تحوّلت من مشروع تقني إلى أداة نهب جماعي وسلاح قمع اقتصادي، تدفع الشعب إلى حافة الانفجار. ومع كل ساعة انقطاع، ومع كل صرخة في الظلام، يقترب المشهد الإيراني من تحوّل كبير، حيث تصبح شحنة الكهرباء المسروقة شرارة لثورة شعب لا يريد أن يعيش في الظلّ بعد اليوم.