موقع المجلس:
أكثر من 90 ألف كيلومتر مربع تتهاوى تحت الأقدام وسط تجاهل حكومي ممنهج
لم يعد الهبوط الأرضي في إيران مجرد ظاهرة بيئية بعيدة، بل تحوّل إلى واحدة من أخطر الأزمات البيئية والإنسانية في تاريخ البلاد، حيث يهدد أكثر من 90 ألف كيلومتر مربع من أراضيها. ورغم التحذيرات المتكررة من قبل المختصين، يواصل النظام الإيراني تجاهله الممنهج، ما يسرّع من تفاقم هذه الكارثة غير المرئية.
وبحسب ” إسكندر صيدا ئي”، رئيس هيئة المسح الوطني الإيراني، فإن الوضع بلغ “مستوى كارثيًّا”. ففي تصريح لوكالة أنباء “إرنا” الرسمية بتاريخ 7 مايو 2025، وصف الظاهرة بأنها “أزمة وطنية”، مشيرًا إلى أن المساحة المتضررة تعادل مساحة خمس دول كبرى مجتمعة.
ظاهرة وطنية تهدد قلب إيران
بدأت ظاهرة الهبوط الأرضي في أوائل الألفية الثانية، لكنها الآن تضرب العديد من المحافظات الرئيسية مثل طهران، ألبرز، قزوين، خراسان رضوي، كرمان، أصفهان، وفارس. وفي بعض المناطق، يصل معدل الهبوط إلى 35 سنتيمترًا سنويًا—وهو رقم يفوق المعايير العالمية التي تتراوح بين 3 إلى 5 سنتيمترات.
وتُعدّ طهران، التي تحتضن 20% من سكان البلاد، من بين أكثر المناطق تضررًا، حيث تهبط سنويًا بمعدل يتراوح بين 8 إلى 12 سنتيمترًا، ما يعرّض حياة الملايين والبنى التحتية الحيوية للخطر. أما في محافظة كرمان، وخصوصًا في منطقة رفسنجان—المعروفة بإنتاج الفستق—فقد تجاوزت معدلات الهبوط 35 سنتيمترًا سنويًا، مما يهدد مستقبل الزراعة واستقرار الاقتصاد المحلي.
بنية تحتية على وشك الانهيار
الآثار أصبحت واضحة للعيان. فبحسب صيدا ئي، يتسبب الهبوط الأرضي في أضرار “غير قابلة للإصلاح”: من تشققات الطرق، وتلف أنابيب المياه والغاز، وانهيار المباني والمدارس، إلى تدمير التربة الزراعية وارتفاع ملوحتها، وزيادة خطر الزلازل.
إنها ليست مجرد قضية بيئية، بل تهديد حقيقي للأمن الوطني والاقتصاد، يمسّ حياة الملايين.
الأرض الإيرانية تتهاوى بصمت
في قلب الأزمة تكمن كارثة مائية خفية: الإفراط في استخراج المياه الجوفية بات ممارسة روتينية، ما يؤدي إلى فقدان نحو 1.7 مليار متر مكعب سنويًا. وتعويض هذا النقص، إن كان ممكنًا، قد يستغرق قرونًا.
ويُعدّ الهبوط الأرضي مؤشّرًا صارخًا على تدمير طبقات المياه الجوفية وسوء إدارتها المزمن. حاليًا، نحو 3.5% من مساحة إيران متأثرة، بما في ذلك مطارات وسكك حديدية. وفي محافظات مثل طهران وأصفهان وكرمان وخراسان رضوي، يعيش أكثر من ربع السكان في مناطق عالية الخطورة.
تحتل إيران الآن المرتبة الثالثة عالميًا في معدل الهبوط الأرضي، وتحتفظ محافظة خراسان رضوي بالرقم القياسي الوطني.
أزمة مخفية عن أعين الناس
رغم تضخم الأدلة، يواصل النظام الإيراني سياسة التعتيم. فقد دعا الخبراء إلى نشر خرائط الهبوط الأرضي للحد من توسّع الكارثة، إلا أن السلطات ترفض. وقال صيدا ئي: “اقترحنا نشر الخرائط لتوعية المواطنين ومنع تفاقم الأزمة”، لكنّ النظام يتعمّد إخفاء الحقيقة، كما فعل سابقًا في انفجار بندر عباس، حيث أخفى تخزين نترات الأمونيوم المرتبط بوقود الصواريخ.
فيما تُهدر الموارد على الصواريخ والمشاريع النووية، ويُقمع الشعب، يُترك أحد أخطر التحديات البيئية دون أي خطة واضحة أو إرادة سياسية.
لا إرادة سياسية… لا حل
الأزمة قابلة للمعالجة: من خلال إدارة مستدامة للموارد المائية، ووقف الضخ المفرط، وتحديث البنية التحتية. لكن في ظل نظام تحكمه الفساد والقمع، تبقى هذه الإصلاحات بعيدة المنال.
لقد عاش الإيرانيون مآسي مثل بلاسكو، ومتروبول، وبندر عباس—وكلها تفاقمت نتيجة الإهمال الرسمي. واليوم، يهدد الهبوط الأرضي بأن يكون الكارثة التالية.
وما لم تُتخذ إجراءات جادة، فلن يبقى الهبوط أزمة بطيئة فحسب، بل سيتحوّل إلى انهيار شامل في الأرض والحياة، فيما يبقى من في السلطة غافلين أو متواطئين.