موقع المجلس:
تعود صرخة «لا للشاه، لا للملالي» من أعماق الذاكرة الوطنية الإيرانية، لتدوّي من جديد، لا بوصفها شعاراً سياسياً عابراً، بل كجوهر نضال شعبٍ أبى أن يخضع لرمزين متعاقبين من الاستبداد: تاج الشاه وعمامة الولي الفقيه. إنها ليست معركة مع الماضي فحسب، بل مواجهة حاضرة ومفتوحة مع كل من يسعى إلى إعادة تدوير الاستبداد، تحت مسميات زائفة أو وعود زائفة بالإصلاح.
في مثل هذه الأيام، من ربيع عام 1975، أقدمت عناصر جهاز السافاك التابع لنظام الشاه على واحدة من أبشع المجازر السياسية: نقل تسعة من خيرة المناضلين من زنازين سجن إوين إلى تلال مهجورة، وإعدامهم بدم بارد، وأيديهم معقودة وعيونهم معصوبة. كان من بينهم مجاهدون ومقاتلون من فدائيي الشعب، كتبوا بدمائهم صفحة ناصعة في تاريخ إيران النضالي.
هذا الحدث الذي أريد له أن يُنسى، أعيد استحضاره اليوم بقوة الوعي وبوصلة المبادئ. فقد شهدت الأعوام الأخيرة محاولات مستميتة من بقايا جهاز الشاه، ومن سار على دربه، لتلميع رموزه، بل ورفع صور جلاديه في مظاهرات الخارج. صورة پرويز ثابتي، مهندس تلك المجزرة، رُفعت في وقاحة تُشبه في بشاعتها وقائع الجريمة نفسها، تحت عنوان “الكابوس القادم”. أما الكابوس الحقيقي، فهو عودة الاستبداد بوجه جديد.
وفي مواجهة هذا التحريف الصارخ، جاءت كلمات مسعود رجوي، قائد المقاومة الإيرانية، لتضع الأمور في نصابها، حين قال في رسالة سياسية عميقة:
«إن إنكار الثورة المناهضة لحكم الشاه هو إهانة للشعب الإيراني بأسره، وتعدٍ على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبالأخص على حق الشعوب في الثورة ضد الظلم، باعتباره آخر ما تملكه من أدوات الدفاع عن كرامتها».
وأكد رجوي أن الحياد بين الديكتاتوريتين هو خيانة، وقال:
«تأجيل الحسم بين الجمهورية أو نظام الشاه بحجة الحفاظ على الوحدة، خداع سياسي يخدم استمرار حكم الملالي. فجوهر القضية ليس في الأشكال، بل في الحسم المبدئي لموقع الشعب كصاحب السيادة والقرار».
بل وذهب إلى ما هو أعمق حين قال: «لا عودة للوراء. لا روسيا ولا العراق ولا أفغانستان عادت إلى الملكية، ولن تكون إيران استثناءً. التاريخ لا يعيد نفسه ».
صوت التاريخ من قلب محكمة الشاه
ما قاله مسعود رجوي في قاعة المحكمة العسكرية للشاه عام 1972، لا يزال اليوم نصاً خالداً في سجل المروءة السياسية. من تحت المقصلة، وصف وحشية السافاك، قائلاً:
«لقد سُمح لجهاز السافاك أن يعامل المناضلين كما يُذبح الخراف».
«حرق بالأجهزة الكهربائية، اقتلاع الأظافر، الجلد بالأسلاك، والتعذيب حتى الموت… كان ذلك هو القانون».
«الشعب الفقير في طهران ومناطقها العشوائية كان يلفظ أنفاسه أمام أبواب المستشفيات… بينما لا يملك الفلاحون سوى ديونهم».
وتابع قائلاً:
«من لا يملك شيئاً ليخسره، يملك كل شيء ليقاتل من أجله. ولهذا لم يبقَ لنا إلا طريق واحد: الثورة المسلحة الشعبية».
«نحن نفتخر بتهمنا. نحن في ساحة محكمة مزيفة، لكن الشعب والتاريخ هما من سيقول الكلمة الفصل».
إن جوهر المعركة ليس فقط في إسقاط نظام الملالي، بل في منع أي محاولة للالتفاف على تضحيات الشعب بإعادة نظام الشاه. فالمقاومة الإيرانية، بقيادة مريم رجوي، لا تناضل فقط ضد ديكتاتورية دينية، بل أيضاً ضد من يريدون إعادة ديكتاتورية عسكرية ملكية تحت شعارات جديدة.
البديل الوحيد هو ما تحمله هذه المقاومة من مشروع ديمقراطي علماني، قائم على المساواة والعدالة الاجتماعية، واحترام سيادة الشعب. وهو ما أكده البرنامج ذو العشرة بنود الذي بات اليوم نقطة التقاء كل من يسعى إلى إيران جديدة، محررة من كابوس الشاه والشيخ على حد سواء.
إنه لمن المعيب أن تُرفع صور الجلادين، وأن يُعاد تسويق رموز الظلم باسم الوطنية. التاريخ لا يُنسى، والدم لا يُغسل بالشعارات. والمقاومة الإيرانية، التي امتلكت شجاعة مواجهة الشاه بالأمس، لا تزال تقود اليوم أعظم نضال تاريخي ضد ولاية الفقيه، دون أن تنسى من أطلق الرصاص أولاً على شعب أعزل، لا لشيء سوى أنه طالب بالحرية.
هكذا، لا يُمكن لمن يعيد إنتاج الاستبداد أن يدّعي الوقوف مع الحرية.
لا للشاه، لا للملالي… نعم لإيران حرّة، جمهورية، ديمقراطية.