موقع المجلس:
تشهد إيران أزمة مياه غير مسبوقة تُنذر بعواقب كارثية على مختلف الصعد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. هذه الأزمة التي تتفاقم بسرعة في ظل حكومة بزشكيان، لم تعد مجرد اختلال موسمي، بل تحوّلت إلى خطر وطني يهدد استمرارية الحياة في العديد من مناطق البلاد.
بحسب تقارير رسمية، فإن مستويات التخزين في أغلب السدود الحيوية باتت في أدنى مستوياتها منذ عقود. وقد حذّر حسين خوشاقبال، حاكم طهران، قائلاً: «احتياطات سدود العاصمة في أدنى مستوياتها». وأضاف: «الترشيد هو السبيل الوحيد لعبور صيف قاسٍ للغاية».
التحذيرات لم تقتصر على العاصمة، بل شملت مناطق واسعة من البلاد. فقد صرّح النائب أبوالفضل أبوترابي قائلاً: «الوضع في طهران خطر للغاية»، موضحاً أن «محافظات فارس، كرمان، زاهدان وسائر مناطق الشرق الإيراني تواجه هي الأخرى أزمة حادة في المياه».
ومن جهته، كشف عباسقلي جهاني، الرئيس السابق للمجلس العالمي للمياه، أن «سد كرج انخفض إلى مستويات غير مسبوقة»، محذراً من إعادة اللجوء إلى «حفر الآبار بشكل عشوائي، وهو أمر خطير على البيئة والمياه الجوفية».
وأوضح عيصا بزركزاده، المتحدث باسم قطاع المياه، أن «الكمية الفعلية في خزان سد كرج تراجعت إلى النصف»، فيما «سد لار شبه جاف، وسدود طالقان وماملو سجلت انخفاضاً في هطول الأمطار بنسبة 46٪».
وكشفت وكالة تسنيم أن «سد لتيان لا يحتوي إلا على 9 ملايين متر مكعب فقط من المياه، أي بنسبة إشغال لا تتجاوز 9٪ من قدرته الاستيعابية البالغة 95 مليون متر مكعب».
وأكد محمد جوان بخت، مساعد وزير الطاقة، أن «سد كرج ممتلئ بنسبة لا تتجاوز 7٪»، بينما «سد لار لا يحتوي إلا على 1٪»، فيما «سدود لتيان وماملو لا تتجاوز نسبة امتلائها 12٪».
أما الباحث الزلزالي مهدی زارع، فأطلق تحذيراً علمياً خطيراً، قائلاً: «البرَز الجنوبي ومحيط طهران يتحولان إلى مناطق شبه قاحلة». وأضاف أن «الجفاف في هذه المناطق بلغ المرحلة الهيدرولوجية، وهي مرحلة بالغة الخطورة».
حتى المحافظات التي كانت تُعرف بغناها النسبي بالمياه، أصبحت اليوم على حافة الجفاف الكامل. فقد صرّح عبد الحميد حمزهبور، مدير شركة المياه في هرمزكان، قائلاً: «السدود التي تغذي مركز المحافظة توشك على الجفاف التام»، محذراً من أن «المياه المتوفرة تكفي بالكاد لشهرين قادمين».
أما وزير الطاقة عباس علي آبادي، فقد شدد على أن «تحديات المياه أخطر من تحديات الكهرباء»، وأكد أن «أولوية البلاد القصوى اليوم هي معالجة أزمة المياه قبل فوات الأوان».
وتُظهر الإحصاءات أن معدل الأمطار المسجل لم يتجاوز 126 ملم، بينما المتوسط التاريخي هو 195 ملم، مما يكشف حجم التراجع المناخي. وعلى الرغم من أن القانون يحظر نقل المياه إلا لأغراض الشرب، إلا أن السلطات تقوم بنقلها إلى المصانع الثقيلة دون تراخيص بيئية، في تجاهل صارخ للمعايير.
في مناطق كجهارمحال وبختياري، توقفت الزراعة في دشت شهرکرد وفرادنبه وسفيددشت، وأصبحت القرى تعتمد على صهاريج متنقلة لتوفير الحد الأدنى من المياه، في مشهد يعكس انهيار منظومة الريف الإيراني.
وقد تحولت أنهار رئيسية مثل زايندهرود إلى مجاري جافة، وتحولت بحيرات مثل گاوخوني إلى مستنقعات، في حين تستهلك الصناعات الثقيلة أكثر من 70٪ من مياه زايندهرود، بحسب الأرقام الرسمية. وتعمل هذه المصانع بدون تراخيص بيئية، بينما تنهار الزراعة التقليدية تحت وطأة سوء الإدارة.
ويؤكد الخبراء أن الأزمة لا تتعلق فقط بندرة المياه، بل بفشل التخطيط الاستراتيجي وتجاهل النظام الإيراني للخصائص المناخية للبلاد. مشاريع نقل المياه التي نُفذت خلال السنوات الأخيرة لم تؤدِ إلا إلى تفاقم الوضع، مع تدمير مخزون المياه الجوفية، وهبوط التربة، وانقراض الأهوار.
اليوم، لم تعد أزمة المياه شأناً بيئياً فقط، بل تحولت إلى تهديد وجودي للأمن الاجتماعي والاقتصادي، ما ينذر بما يسميه البعض بـ “ثورة عطش” في الأفق القريب، خاصةً مع تجاهل حكومة بزشكيان للأصوات المتزايدة التي تطالب بإصلاحات عاجلة وجذرية.
في ظل هذا الانهيار، تبقى الحقيقة الثابتة: أن أزمة المياه في إيران هي نتاج مباشر لسوء الإدارة، وغياب الرؤية، والافتقار إلى أي سياسة عقلانية تحترم البيئة وحقوق المواطنين في الحياة.