موقع المجلس:
في عام 2024، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للقارة الآسيوية رقماً قياسياً يقدر بـ 40 تريليون دولار، ما يعزز مكانة آسيا كمركز عالمي للنمو الاقتصادي والتحول الصناعي والتقني. غير أن إيران، رغم ما تملكه من مقومات استراتيجية وثروات طبيعية هائلة، لا تُمثل سوى 1% فقط من هذا الناتج، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول الأسباب العميقة لهذا التراجع المزمن، والفرص الضائعة في بيئة إقليمية تنافسية.
مشهد آسيوي يتسارع… وإيران خارجه
تهيمن على الاقتصاد الآسيوي خمس قوى رئيسية: الصين، الهند، اليابان، كوريا الجنوبية، وإندونيسيا، وتشكل مجتمعة أكثر من 74% من الناتج الإجمالي القاري. ومع انضمام اقتصادات صاعدة مثل تركيا، السعودية، الإمارات، سنغافورة وتايوان، تصل نسبة العشر الأوائل إلى 85%.
في المقابل، نجد إيران تصطف إلى جانب بلدان ذات اقتصادات ناشئة أو محدودة التأثير مثل باكستان، قزاقستان، العراق، هونغ كونغ، ضمن مجموعة تمثل فقط 15% من الاقتصاد الآسيوي.
مقارنة إقليمية تُبرز الفجوة
تشير البيانات إلى أن:
تركيا تساهم بـ 3.2%
السعودية بـ 2.8%
الإمارات بـ 1.4%
في حين أن إيران تكتفي بـ 1% فقط
مع أن إيران تمتلك احتياطات ضخمة من النفط والغاز (رابع أكبر احتياطي للنفط وثاني أكبر احتياطي للغاز عالمياً)، فضلاً عن موقع جغرافي حيوي يربط آسيا الوسطى بالخليج، فإنها لم تستثمر هذه الميزات الجيو-اقتصادية في تعزيز إنتاجها المحلي أو جذب الاستثمار الأجنبي.
جذور الأزمة الاقتصادية: اختلال هيكلي وليس ظرفياً
تكمن المعضلة الأساسية في التركيبة الاقتصادية للنظام الإيراني. فبدلاً من تبني نموذج تنموي قائم على الإنتاج والتنوع، اعتمد النظام على اقتصاد ريعي قائم على تصدير الخام، وتمويل الأذرع الإقليمية والمغامرات الجيوسياسية، ما استنزف الموارد وأفقد الاقتصاد مرونته.
يُضاف إلى ذلك:
الفساد البنيوي الذي يهيمن على المفاصل الاقتصادية والمؤسسات السيادية
العقوبات الاقتصادية، وهي نتاج مباشر لسياسات النظام الخارجية
ضعف البنية التحتية المالية والمصرفية
هروب رأس المال المحلي وتجميد الاستثمارات الأجنبية
هيمنة الحرس على مفاصل الاقتصاد الإنتاجي والتجاري
التكلفة الاجتماعية للتراجع الاقتصادي
أدت هذه العوامل إلى تفكك تدريجي في المستوى المعيشي، حيث تشير المؤشرات إلى:
تضخم يفوق 50% سنوياً في بعض القطاعات
بطالة تتجاوز 20% بين الشباب
تراجع القوة الشرائية للطبقة الوسطى
أكثر من 60% من السكان تحت خط الفقر بحسب تقديرات غير رسمية
الأسواق البديلة تنطلق… وإيران تتقهقر
بينما تنجح دول مثل فيتنام، بنغلاديش، وماليزيا في جذب الاستثمارات بفضل سياسات صناعية مرنة وبيئات أعمال مواتية، بقيت إيران عاجزة عن الانخراط في سلاسل التوريد العالمية أو جذب شركات كبرى بسبب مخاطر الحوكمة وعدم الاستقرار.
حتى في قطاعات واعدة مثل الصناعات البتروكيماوية أو التعدين، تعاني إيران من نقص التمويل ونزيف الخبرات وتراجع القدرة التصديرية بسبب القيود التقنية والتجارية المفروضة عليها.
هل من مخرج اقتصادي؟
في السياق الحالي، لا يمكن فصل التحول الاقتصادي الإيراني عن التغيير السياسي. فالاقتصاد الخاضع لمعادلات أيديولوجية مغلقة وسيطرة شبه عسكرية، لن يتمكن من استعادة التوازن إلا بوجود بيئة سياسية شفافة، وقضاء مستقل، وشراكة مع الأسواق العالمية.
كما أن إعادة هيكلة الدعم، إصلاح النظام المصرفي، تحرير التجارة، والاستثمار في الاقتصاد الرقمي تمثل ضروريات لا خيارات، إذا ما أرادت إيران الخروج من هامش آسيا والعودة إلى دائرة التأثير.
حصة إيران البالغة 1% من اقتصاد آسيا ليست مجرد رقم، بل تعبير صريح عن اختلال عميق في الرؤية الاقتصادية والبنية المؤسسية. بينما تمضي دول الجوار نحو التقدم والاستثمار في الإنسان والتقنية، تغرق إيران في دوامة من السياسات العدائية والانكماش الاقتصادي.
إن التحول المنشود يتطلب تغييراً في الأولويات، وفك الارتباط بين الاقتصاد والأجندة الأمنية، واستعادة ثقة الشعب والسوق معاً. حتى ذلك الحين، ستبقى إيران على هامش المشهد الاقتصادي الآسيوي، رغم إمكانياتها الهائلة.