صورة للاحتجاجات في ایران-آرشیف
موقع المجلس:
حقيقة يدركها غالبية أبناء الشعب الإيراني منذ زمن طويل، و التي اعترفت بها صحيفة “جوان”، الناطقة باسم حرس النظام الإيراني: إن الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد لا يعود إلى العقوبات الخارجية، بل هو نتيجة عقود من الفساد، وسوء الإدارة الداخلية، والخلل البنيوي العميق في النظام.
في افتتاحية نُشرت بتاريخ 10 أبريل 2025 تحت عنوان لافت: «نسيم التفاوض لا يُبرد صحراء الأزمات الداخلية»، تهاجم الصحيفة الرواية الرسمية للنظام التي تُحمّل العقوبات مسؤولية الأزمات المتفاقمة، مؤكدة أن “العقوبات خنقت الاقتصاد، لكن جذور الأزمة الحقيقية أعمق بكثير”، مشيرة إلى “الاعتماد المزمن على النفط، والفساد المستشري، والبيروقراطية العاجزة” كأسباب جوهرية.
وتضيف الصحيفة بصراحة غير معهودة: “التفاوض دون تغيير داخلي ليس إلا سراباً يصنع وهماً كاذباً”.
وتستعرض “جوان” كيف أنّ الاتفاق النووي في 2015 (JCPOA) لم يؤدِّ إلى نتائج اقتصادية ملموسة: فقد استمرت معدلات التضخم في الارتفاع، وتراجعت وتيرة خلق فرص العمل، وبقيت نسبة بطالة الشباب فوق 23%. وتتابع: “تدفقت العملات الأجنبية، لكن الإنتاج المحلي ذبل. وامتلأت الأسواق بالبضائع المستوردة فيما انهارت الصناعات الوطنية”.
وبحسب الصحيفة، فإن أكثر من نصف ميزانية الدولة لا يزال مرتبطاً بعائدات تصدير النفط، مما يجعل الاقتصاد الإيراني هشاً أمام تقلبات السوق العالمية. وتحذر من أن “رفع العقوبات، إن حدث، دون تنويع اقتصادي وإصلاح مؤسساتي، لن يوقف الانهيار”.
كما استشهدت الصحيفة بتصنيف منظمة الشفافية الدولية، الذي وضع إيران في المرتبة 147 من أصل 180 دولة، لتأكيد تفشي الفساد المؤسسي: “الأموال المخصصة للتنمية تُنهب، ومشاريع البنى التحتية تتعثر بفعل المحسوبية وسوء الإدارة”.
وفي ملف التضخم، تؤكد الصحيفة أن السبب الرئيس يعود إلى “طباعة النقود دون ضوابط”: “ما دامت السياسات النقدية مستهترة، فإن التضخم الذي يتجاوز 35% سيستمر سواء وُجدت عقوبات أم لا”.
وتختم الصحيفة نقدها بتشخيص لافت لواقع النظام: “التركيز على التفاوض يُبعد الأنظار عن ساحة المعركة الحقيقية: الإصلاح الداخلي. وبدونه، لا اتفاق خارجي سينقذ إيران من السقوط”.
وعلى الرغم من محاولات “جوان” وضع هذا النقد ضمن إطار يوحي بالولاء للنظام، إلا أن الرسالة الضمنية واضحة: أربعة عقود من الحكم المطلق أفرغت مؤسسات الدولة من مضمونها، وجعلت النظام في حالة هشاشة أمام أي انفجار اجتماعي. وتشير الصحيفة ضمناً إلى معضلة خطيرة تواجه المؤسسة الدينية الحاكمة: حتى لو تحقق رفع العقوبات عبر التفاوض، فإن ذلك لن ينقذ النظام من أزماته. بل إن ما حدث بعد الاتفاق النووي في 2015، مع تدفق المليارات إلى خزائن النظام، يوضح أن هذه الأموال لم تثمر إلا عن خيبة أمل شعبية متزايدة، ورفعت منسوب التوقعات، ما أدى إلى انتفاضة 2017 التي اشتعلت بعد عامين ونصف فقط من توقيع الاتفاق.
لذلك تحذر صحيفة “جوان” من وهم التفاوض: إن لم تُجرَ تغييرات جذرية وشاملة في بنية النظام، فإن أي انفراج مالي سيكون عاجزاً عن منع اندلاع انتفاضة جديدة على مستوى البلاد.