صورة للاحتجاجات في ایران -آرشیف
بقلم -موسى أفشار:
مؤشرات الفوران الاجتماعي تزداد وضوحًا،كما أن البراكين لا تثور فجأة، بل تُرسل رسائلها إلى الطبيعة من خلال زلازل خفيفة، وانبعاثات كبريتية، وينابيع ماءٍ حار، فإن المجتمعات كذلك، تُصدر أصواتًا قبل أن تنفجر. علماء البراكين يعرفون تلك العلامات، فهل يستطيع علم الاجتماع السياسي أن يلتقط مؤشرات الانفجار الاجتماعي؟ في إيران اليوم، تبدو الإجابة: نعم، وبصوتٍ عالٍ. فحتى المؤسسات الأمنية والخبراء المقرّبون من النظام بدأوا يقرّون بـالطبيعة المتفجرة للوضع الراهن.
«يوم القدس»… عنوان دجالٍ يخفي انفجار الداخل
منذ عام 1979، اعتمد خميني الملعون ما يُسمّى بـ”يوم القدس” في آخر جمعة من شهر رمضان، زاعمًا أنه يوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني. لكن في الحقيقة، تحوّل هذا اليوم إلى أداة في يد النظام الإيراني لتصدير الأزمات الداخلية، وتشتيت الانتباه عن الغليان الشعبي داخل إيران، وتقديم نفسه كمدافع عن قضايا الأمة بينما يُمعن في قمع شعبه.
ولعلّ بيان حرس النظام الإيراني الصادر في “يوم القدس” لهذا العام، كان مليئًا بهذه الازدواجية. فبينما تحدّث عن “التهديد الخارجي” و”وحدة الأمة”، لم يستطع أن يُخفي القلق العميق من هشاشة الجبهة الداخلية.
تحذيرات خفية في بيان حرس النظام الإيراني
في 2 أبريل/نيسان 2025، أصدر حرس النظام الإيراني بيانًا بمناسبة “يوم القدس”. في ظاهره، حمل لغة القوة والوحدة ضد “العدو الخارجي”، واعتبر المشاركة في المسيرات تجلّيًا لـ”القوة الناعمة” للنظام. غير أن بين السطور، اعترف البيان أن المجتمع الإيراني يرزح تحت “أقصى درجات الضغط الاقتصادي”، وأن “الشقاق الاجتماعي” و”تغلغل النفاق” يشكلان تهديدًا داخليًا حقيقيًا.
تكرار الحديث عن “الوحدة الوطنية” لا يعكس قوة النظام، بل قلقه من التصدّعات الداخلية. وعندما يدعو الحرس الشباب إلى الانخراط في الدفاع عن الوطن، فإنّما يقرّ بغيابهم عن الساحة، وبتآكل شرعيته لدى الجيل الجديد. هذه ليست لغة الانتصار، بل لغة الخوف من انفجار محتمل.
حتى خبراء النظام يقرّون: البركان بدأ يهتز
اللافت أن المخاوف من الانفجار الاجتماعي لم تعد حكرًا على المعارضة أو النشطاء المستقلين، بل باتت أصواتًا صادرة من داخل دوائر النظام نفسه.
من بين هؤلاء، مرتضى الويري، المحافظ السابق لمدينة طهران والمقرّب من بعض تيارات ما يسمى”الإصلاحيين”، والذي حذّر من أن النظام يُعيد أخطاء الشاه تمامًا، عبر قمع الحريات وغياب الإصغاء لصوت الناس.
كما أن أحمد زيدآبادي، وهو صحفي ومحلل سياسي محسوب على الخط الوسطي داخل النظام، كتب بوضوح أن الصراعات الدموية باتت وشيكة ما لم يتم التوافق على حلول حقيقية. تصريحاته لم تأتِ من فراغ، بل من قراءة دقيقة لحالة المجتمع الإيراني الذي لم يعد يتحمل مزيدًا من الإهانة والفقر والاستبداد.
مجتمع يغلي تحت الرماد
ما يجمع هذه التحذيرات، هو أنها لا تصدر من معارضين تقليديين أو ناشطين في المنفى، بل من أوساط قريبة من النظام. وهذا ما يُعطيها ثقلاً إضافيًا. المجتمع الإيراني اليوم يشبه بركانًا خامدًا، تنبعث منه الغازات والاهتزازات… وكل شيء يوحي بأن الانفجار ليس احتمالًا، بل مسألة وقت.
إنّ الضغط الاقتصادي يُشبه الغازات السامة التي تتصاعد بلا توقف، والتصدعات الاجتماعية تُشبه الزلازل التحذيرية، فيما يشكّل القمع السياسي طبقات الصخور الصلبة التي تحتجز غضب الناس. وما أن يُفتح ثقب صغير في هذا الجدار، حتى يتحوّل كل هذا الضغط إلى طوفان لا يمكن احتواؤه.
من الجمر إلى الانفجار
لقد بدأ صوت الصخور المتشققة يُسمع في إيران. والمجتمع لا يُمكن تهدئته بالشعارات والاحتفالات الرسمية. ما لم يتم تفكيك الضغوط، وفتح مسارات حقيقية للشعب، فإننا نقترب من لحظة انفجار اجتماعي ستكون له تبعات هائلة على مستقبل إيران والمنطقة بأسرها.