موقع المجلس:
أزمة المياه.، التي يعتبرها الخبراء أكبر تهديد بيئي للبلاد، لم تأتِ صدفة، بل هي نتيجة عقود من السياسات القائمة على مصالح عصابات القمع والنهب التابعة لـ بيت الولي الفقيه وحرس النظام الإيراني، إضافةً إلى سوء إدارة الموارد الطبيعية، والفساد المتفشي الذي جعل من الأولويات الاقتصادية والسياسية رهينة بيد مافيا النهب بدلاً من التركيز على استدامة الموارد. و تأتي هذه الأزمة في الوقت الذي تعتبر إيران، البلد الذي يحمل بين طياته تاريخًا عريقًا وحضارة تمتد لآلاف السنين، تواجه اليوم واحدة من أخطر الأزمات البيئية في تاريخها.
من تجفيف الأهوار والأنهار إلى الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية، ومن مشاريع السدود العشوائية التي ينفذها حرس النظام الإيراني لأغراض ربحية، تضافرت هذه العوامل جميعًا لتشكل كارثة تهدد مستقبل مصادر المياه في إيران.
وتعيش العاصمة طهران حاليًا تحت تهديد تقنين المياه بسبب شح الموارد المائية. ووفقًا لما نشرته وسائل الإعلام الحكومية، فإن صور السدود الرئيسية في محافظة طهران – أميركبير (كرج)، لتيان، لار، ماملو وطالقان – تكشف عن وضع كارثي غير مسبوق.
وبحسب مسؤولي وزارة الطاقة:سد كرج، وهو أحد المصادر الرئيسية لتأمين مياه الشرب للعاصمة، لم يعد يحتوي سوى على 7% فقط من سعته التخزينية، مما يجعله في وضع حرج وغير مسبوق.
سد لار، شمال شرق طهران، يواجه كارثة أكبر حيث لا يحتوي إلا على 1% من سعته.
سدود لتيان وماملو لا تحتوي سوى على 12% من سعتها التخزينية لكل منهما.
في ظل هذه الأرقام، فإن أكثر من 80% من الموارد المائية المتجددة في البلاد قد استُهلكت، بينما وصلت آبار المياه الجوفية إلى الطبقات المالحة، ما يعني أن إيران باتت على مشارف انهيار مائي شامل.
الأنهار الدائمة التي كانت تمثل شريان الحياة لمختلف مناطق إيران، تحولت اليوم إما إلى مجاري جافة أو إلى مسطحات مائية راكدة. نهر كارون، وهو أحد أكبر الأنهار في إيران، أصبح رمزًا لهذه الكارثة، إذ باتت الأجيال الحالية شاهدة على اختفائه لأول مرة في التاريخ.
تهديد شامل للمدن الكبرى
مدن طهران، مشهد، أصفهان، شيراز، تبريز، والأهواز، تعاني جميعها من أزمة مائية خانقة. هذه الأزمة لم تعد مجرد مسألة نقص مياه الشرب، بل أصبحت تهديدًا أمنيًا دفع النظام إلى إخفاء البيانات الحقيقية حول الكارثة. فرغم الحديث الرسمي عن الجفاف، فإن الأرقام التي يتم الإعلان عنها لا تعكس الواقع الميداني الكارثي.
وكان من المفترض أن يتم تشكيل لجنة طوارئ حكومية لمواجهة الأزمة في الصيف الماضي، غير أن غياب التخطيط الفعلي والاعتماد على حلول سطحية لم يؤدِ إلى أي تقدم، ما أدى إلى تفاقم الوضع.
الأهوار، التي كانت تُعرف بـ “رئة المدن”، لعبت دورًا أساسيًا في الحفاظ على التوازن البيئي، وتوفير مصادر رزق للسكان، وجذب السياحة البيئية. في الماضي، كانت إيران تضم نحو 3000 هور ومستنقع طبيعي، إلا أن معظمها إما جف بالكامل أو بات مهددًا بالاختفاء.
من بين 24 هورًا مدرجًا في قائمة المناطق المحمية عالميًا، نصفها أصبح على شفا الجفاف. على سبيل المثال:
هور کاوخوني فقد 90% من مياهه.
بحيرة أرومية فقدت 70% من مساحتها.
هور العظيم تراجع منسوبه بشكل كارثي، وأصبح مصدرًا للعواصف الترابية.
نحو 3 ملايين هكتار من الأهوار في إيران جفت بالكامل، وهو ما يعادل 60 منطقة رطبة تحولت إلى صحراء قاحلة.
كارثة الجفاف لم تقتصر على الحياة البرية، بل باتت تهدد الصحة العامة والزراعة. فقد تحولت هذه المناطق إلى بؤر لانبعاث الغبار السام، مما فاقم الأمراض التنفسية وألحق أضرارًا بالقطاع الزراعي.
على سبيل المثال:هور انزلي، الذي كان ذات يوم من أغنى المناطق الرطبة في البلاد، أصبح في بعض أجزائه لا يحتوي على أكثر من نصف متر فقط من المياه.
هور هامون، الذي كان ثالث أكبر بحيرة في إيران، أصبح منطقة صحراوية بالكامل، مما تسبب في تدمير حياة آلاف السكان في سيستان وبلوشستان.
هور شادکان في خوزستان يعاني من زحف الملوحة، مما يهدد النخيل والمحاصيل الزراعية.
إن فقدان هذه الأهوار لم يتسبب فقط في كارثة بيئية، بل أدى إلى هجرة جماعية، وزيادة الفقر، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية بسبب فقدان مصادر العيش.
السدود والممارسات التخريبية
من العوامل الرئيسية وراء تفاقم أزمة المياه مشاريع السدود العشوائية التي نفذها حرس النظام الإيراني دون أي دراسات علمية. هذه المشاريع، التي صُممت لتحقيق مكاسب مالية قصيرة الأجل، أدت إلى قطع تدفق الأنهار، وحرمان الأراضي الزراعية من حصصها المائية، وتجفيف الأهوار.
في الوقت ذاته، فإن الاستخراج الجائر للمياه الجوفية أدى إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية في معظم المناطق، وتسبب في هبوط الأرض، ما جعل بعض المدن الكبرى عرضة للانهيارات الأرضية.
أحد الأمثلة البارزة هو ما يواجهه المزارعون في ورزنه – أصفهان، حيث خرجوا في مظاهرات متكررة هذا العام احتجاجًا على حرمانهم من حقهم في مياه نهر زایندهرود، ما أدى إلى تدمير محاصيلهم وتهديد مصادر رزقهم. ووفقًا للبيانات، فإن 97% من المياه السطحية في إيران قد استُهلكت بالكامل، ولم يعد هناك أي مورد مائي يمكن الاعتماد عليه.
ورغم التحذيرات المستمرة من خطورة أزمة المياه، لم يقدم النظام الإيراني أي خطة علمية جادة لمواجهتها. لا تزال مشاريع السدود المدمرة مستمرة، ولا توجد استثمارات حقيقية في أنظمة الري الحديثة، بينما يتم هدر مليارات الأمتار المكعبة من المياه بسبب الفساد وسوء التخطيط.
حتى الأمطار الموسمية التي كان من الممكن أن تعيد بعض الأمل، يتم التعامل معها بسوء إدارة، مما يؤدي إلى فيضانات مدمرة بدلًا من استخدامها في إحياء الأهوار. ووفقًا للتقارير، فإن 45 هورًا من أصل 143 في إيران تحولت إلى بؤر للغبار السام، مما يفاقم الأزمة البيئية والصحية.
هل من حل دون الإطاحة بمسبّب الكارثة؟
أزمة المياه في إيران لم تعد مجرد تحذير مستقبلي، بل باتت واقعًا يهدد حياة الملايين. هذه الكارثة لم تكن نتيجة عوامل طبيعية فقط، بل هي نتاج مباشر لعقود من السياسات التخريبية التي اتبعها النظام الإيراني القائم على الفساد والنهب والإهمال المتعمد.
إنقاذ مستقبل إيران البيئي يتطلب تغييرات جذرية في سياسات المياه، ووقف مشاريع النهب، والاستثمار في حلول مستدامة. لكن في ظل استمرار هذا النظام، هل يمكن انتظار أي تغيير حقيقي؟ أم أن الحل الوحيد هو إسقاط المسبّب الرئيسي لهذه الكارثة؟